-بدأ سماحة السيد ميثم المحافظة سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس خلال النصف الثاني من شهر رمضان المبارك ، وذلك في ليلة السادس عشر من شهر رمضان لعام 1443 هـ ، وتتحت عنوان " بيلوغرافيا كتب الدعاء " إبتدأ سماحته بمقدمة في هذا المفهوم ( بيلوغرافيا ) وهي كلمة أجنبية تعني عملية استنساخ ومراحل استنساخ الكتب ، أي أنها لا تعني تأليف كتب جديدة بل توجد كتب أصلية (بذرة) ، وقد تدخل بعض التغييرات ، و تضمن اليه أمور فيه فائدة للكتاب وهذه عملية معروفة نشأت في العهدين و ما داخل ذلك في تزوير ، فأصبحت العملية مشوهة و هذا ما لا نتحدّث عنه .
نخصص الحديث حول استنساخ كتب الدعاء والتي تتميز به مدرسة أهل البيت ، لن تشاهد ديانة و طائفة على وجه الأرض تمتلك هذا الزخم و العمق الدعائي الموجود عندنا ، وصل لنا هذا التراث من عملية استنساخ الكتب الأصلية و نقسّم الحديث الى ثلاثة أقسام ، استنساخ كتب الدعاء فقط ، و استنساخ كتب الزيارات فقط دون الأدعية ، واستنساخ كتب جمعت كتب الأدعية و الزيارات في كتاب واحد على منوال ومنهجية الشيخ عباس القمي الموجودة في مفاتيح الجنان .
بدأت فكرة استنساخ الكتب الأدعية فقط من الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين و قد كتبت بإملاء زين العابدين و كتابة الإمام الباقر (ع) في أيام التشريق بمنى ، ولما يُخاف على هذه الكتب بالإندثار ، حيث ازرقّ نهر دجلة بما رمي به من الكتب والتراث ، و قد أحرقت مكتبات و مزقت كتب للقضاء على التراث الشيعي ، الا أن جهود العلماء هو من أبقى هذا التراث فبدأت كتب الأدعية .
القسم الثاني البذرة الأصيلة لكتب الزيارات الى العالم الفقهي ابن قولويه القمّي ، و هو أول من جمع الزيارات الواردة عن أهل البيت من رسول الله (ص) الى الأئمة ، وهو صاحب كتاب كامل الزيارات. وقد دفن في حرم الكاظمين ، فقد جمع و استخرج من أحاديث وروايات أهل البيت كما يقول و لم ينقل من غير أهل البيت رواية او زيارة . فما يتميّز به أنه مسند صحيح ، وكل من كتب كتاب زيارات الى يومنا هذا يعوّل على هذا الكتاب ، الشيخ المفيد هو أحد تلامذة الأستاذ ابن قولويه وقد ألّف كتاب المزار وقد كتب على غرار كامل الزيارات الا أنه تدارك ما لم تقع في كامل الزيارات أي أن كتاب المزار ضمّ روايات أكثر .
القسم الثالث هو الكتب الني جمعت الأحاديث و الزيارات بدأت من الشيخ المفيد في كتاب مسار الشيعة ، يأتي لمناسبات أهل البيت و أعمال الأشهر لكن الشيخ المفيد ألقى عناوين بدون نصوص ونادرًا ما يكتب النصوص ، فنقل بعض الأدعية كأنه أعطى الفكرة للشيخ الطوسي الذي ألف أول كتاب شامل على روايات و نصوص بمنهجية جمع الأدعية و الزيارات في كتاب واحد و الذي يعتبر الى يومنا هذا وكل من كتب بمنهجية مصباح المتهجّد ، وهذه هي العين الأساسية . وتكون هناك نهضة تراثية للحفاظ على الدعاء بين فترة و أخرى ، وكانت أعظم قفزة دعائية في تاريخ التشيّع نهضة ابن طاووس ، والذي ألف أكثر من ستين مجلّد وهذا أمر صعب جدًا في القرن السابع للهجرة ، كان على رأسه كتابان (إقبال الأعمال ) و (منهج الدعوات) ، وهما عملية استنساخ على نمط الشيخ الطوسي بما فيه أعمال السنة و الشهور وقد تمّيز كتابه بإضافة روايات الفضائل . فقد ضمّن كتابه (إقبال الأعمال) مصيبة الحسين و زيارةعاشوراء ويتحدّث عن فضائل زيارته (ع) ، و كتاب (مهج الدعوات) ذهب الى قنوتات الأئمة و حروزات الأئمة و تعويذاتهم و نقوش الخواتم و الحجاب .
لازال تراث أهل البيت مهدّد الى أن وصلنا الى القرن العاشر ، نهض العالم تقي الدين ابراهيم العاملي والمعروف بالكفعمي ، و قد كان له تجميع و استنهاض ، كتاب ( البلد الأمين ) ثم كتاب ( المصباح ) و هما كتابان ضخمان جدًا و بينهم مائة صفحة تقريبًا و البلد الأمين أكثر عناية وتحقيقًا للمصادر ، الى أن وصلنا الى عصر قريب من عصرنا وهي بحار الأنوار للشيخ القمّي .
حدثت بعض الإنتكاسات و الإنحدارة في زمن الشيخ القمي في كتاب (مفتاح الجنان) وقد دُسّ فيه الكثير من اللغط و الدسائس ، وهو تراجع في كتب الأدعية التي نقرأها ، فقد نشطت حركة الإستنساخ و صادر هذا الكتاب جهود و أصالة الدعاء ، ووجدت بعض الطلاسم به و التعويذات التي تتعلّق بالسحر ، فانتفض الشيخ عباس القمي الى تأليف كتاب (مفاتيح الجنان) . وعمد الى الكتابة على غرار كتاب مصباح المتهجّد ومرورًا بما قبله . وكتبه بجودة عالية وصحة وسلامة . ولكن بزمنه تم استنساخ مفاتيح الجنان و عمد بعض نسّاخة بالتصرّف في الكتاب ، واضافة الزيارات التي لم يضيفها وبحياته ، فأمر باستنساخ مفاتيح الجنان مرةّ أخرى لكن بعناية شديدة . الى أن وصلت الى النسخة الموجودة عندنا الآن . الا انه نقل بعض المشايخ أن الأصل الذي كتبه الشيخ القمي لم يُعثر عليه الا أنه محقق ، وهي المقبولة . الشيخ ناصر مكارم الشيرازي عمد الى هذه النسخة و أدخل عليها بعض الاحكام الشرعية الحديثة .
هناك كتب مميزة في عالم التشيع في رحلة الاستنساخ ، مثل كتاب ( مفتاح الجنّات ) للسيد محسن الأمين وهو على ثلاث مجلدات ووضع فيه ميزة جميلة وهو نبذة عن مراقد و ضرائح أهل البيت ، ويكون بمثابة المرشد . هناك كتاب آخر وهو (ضياء الصالحين) للعالم السيد الأحمد المستنبط ولكن المكتوب على الكتاب هو الشيخ محمد صالح الجوهرجي و لكن كان هو المتبرّع بطباعته وليس عالم دين . تراث الأدعية وصل الى مرحلة الأمان مع النسخ الموجود و التقنيات الحديثة ، لكن ينبغي بعد معرفة هذه الجهود المحافظة على تلك الجهود و العناية بها أشد العناية .
التعليقات (0)