شارك هذا الموضوع

الصفا ليلة الرابعة عشر من شهر رمضان لعام 1443هـ/2022م

واصل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك في ليلة الرابع عشر من شهر رمضان المبارك لعام 1443 هـ ، وتحت عنوان " خصائص القلب المنيب " ، ابتدأ سماحته بمقطع من سورة ق " وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ (33) " ، القرآن الكريم تحدّث في الكثير من آياته حول عودة الإنسان الى الله تعالى وشروطها ، وفي سياق هذه الآية يحدثنا المولى عز وجل عن حالة القلب الإنساني ، الذي ينبغي أن يتصف بصفة الإنابة حال العودة لله .

القلب المنيب هو قلب العودة لله تبارك وتعالى ، مفردة الإنابة في القرآن في مختلف أحوالها تكررت ما معدّله خمسة عشر مرة ، و الإنابة حالة من حالات العودة لله ، و هذا يقودنا للحديث حول مستويات العودة لله ، في شهر رمضان و الظروف المعنوية والخارجية مهيئة لعودة الإنسان لله ولكن ما ينبغي معرفته أن العودة لله لها ثلاث مراتب ، اما أن تكون العودة عودة توبة ، أو عودة إنابة ، أو عودة أوبة ، فما الفرق بينهم ؟

لا شك في ان الأوبة هي الأرقى في مراتب العودة لله ، لكن لنتعرّف على المستوى الأول أولًا ، التوبة مفادها اقلاع العبد المتمرّد الى الله عن ذنوبه و معاصيه ، فإذا توقف عن الذنوب من أكل الحرام و الموبقات التي تُسخط الله وعاد الى الطاعة يقال عنه تائب ، المستوى الثاني الأعلى رتبةً : هي الإنابة و هي عودة العبد من الغفلة الى الذكر والتي يُبتلى بها الإنسان وهي مقدمّة الهوية و الوقوع ، انما أغلب الحوادث تقع بسبب غفلة الإنسان و هي أخطر ما يُبتلى بها الإنسان ، اذن الإنابة هي حالة العودة من الغفلة الى الإفاقة . من سورة ق " لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) " هذه الغفلة حجاب خطير و كأنه غطاءٌ على وجه الإنسان ، وهذا الغطاء على البصيرة .

أما الأوبة فهي الأعلى رتبة ، و هي للمؤمنون الآوبون الى ربهم فهي عودة من الغيبة الى الحضور ، يعتقد الإنسان أحيانًا أنه وحيدٌ و يغفل قلبه عن الله و يحسب أنّ الله غائبٌ ، هنا يبدأ العبد بالتمرّد فينبغي له الرجوع الى حالة الحضور و المشاهدة ، وهذه المرتبة يُبتلى بها العبد التقي أيضًا . من دعاء الحسين ( ع ) " إلهي ، عميت عين لا تراك عليها رقيبا " ، ما أحوجنا الى التوبة بترك السلوك المحرّم و العودة الى الطاعة ، وما أحوجنا الى الإنابة في ترك الغفلة والعودة للذكر ، و ما أحوجنا الى الأوبة حتى نعيش حالة الحضور بحضوره تبارك وتعالى .

هدفنا الحصول على القلب المنيب ، الله زيّن جنانه للمتقين ، لعلماء السلوك والمعرفة أقوال في معنى الإنابة ، العلّامة الطباطبائي عندما تحدّث عن الإنابة عدّها من التوبة ، فهي الرجوع اليه ، فكلّ تائبٌ منيبٌ وكل منيبٌ تائبٌ ، أمّا العلامة الناراقي فقد عرّف الإنابة هي الرجوع عن المباحات ، وهي أن تلغي المباحات من حياتك و تحوّل كل شيء الى مستحبٍّ ، بوسع الإنسان أن يحوّل جميع المباحات الى مستحبّاتٍ من خلال أن تنويها للتقرّب الى الله . التلمساني في تعليقه على كتاب منازل السائلين يقول أن الإنابة هي الرجوع الى الله عز وجل في إصلاح الطاعة كما رجعت اليه في الإعتذار اليه في التوبة . أي تنقل الطاعة من الحسن الى الأحسن ومن الكمال الى الأكمل ، وهي حالة من الرقي في الحالات العبادية التي يسلكها الإنسان .

الإنابة على نوعين ، إنابة ربوبية و إنابة ألوهية ، الإنابة الربوبية هي إنابة الخلق جميعًا بمعنى عودته لله ، المؤمن و الكافر ، الله يعزز الإنابة الربوبية ، من سورة الروم " وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) " وهنا ذكر الله الناس ، علينا أن نلجأ الى لله في كل صغيرة و كبيرة وليس فقط اذا انقطعت الأسباب ، لأن توفير الأسباب بيد الله ، نحن نتعلّق بالأسباب و الله هو المتسبب و المتصرّف في الأسباب ، أما الإنابة الإلوهية فهي عودة العارفين بالله و المٌعتقدين بألوهيته و أنه هو الرب الصانع الخالق المؤمنون به ، فيلجؤون إليه في الشدائد و المحن لا لجوءًا فطريًا بل لجوء معرفة .

هناك شروط للعودة لله ، أوّل تلك الشروط هي الإفاقة ، والله يذكر أهل الغفلة في سورة الأعراف : " وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) "، عن الإمام علي (عليه السلام):" الغفلة أضر الأعداء " ، الشرط الثاني : الشعور بالأمل ، احذروا من القُنوط و اليأس ، فباب رحمة الله أوسعُ مما نتصوّر .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع