واصل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك في ليلة الحادي عشر من شهر رمضان المبارك لعام 1443 هـ ، وتحت عنوان " خصائص القلب الأليف " ، ابتدأ سماحته بمقطع من سورة آل عمران " وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) " ، عندما يتأمل المؤمن في الآية المباركة و آياته و ما جاء فيها ، يقطع بحقيقة مهمة اكد عليها القرآن الكريم و الشريعة السمحاء وهي ضرورة اتصاف الإنسان بالقلب الأليف ، الله بلطفه جعل قلب المؤمن قلبًا أليفًا ، الألفة تارة تطلق على الصديق أو الرفيق أو الأنيس أو الودود وكل من كان كذلك فهو صاحب قلب أليف ، القلب الأليف حالة من حالات القلوب أيضًا ، و الترابط الإجتماعي و الاإنساني الذي أراده الله تعالى و الشريعة قائم على اتصافه بالقلب الأليف .
في عالم الحيوانات ، تقسّم الى حيوان وحشي و حيوان أليف أو حيوان أهلي ، وهو من يتميّز بالألفة و يعيش مع البشر ، الإنسان ايضًا ينقسم كذلك ، لكن ليس هناك انسانًا متوحشًا لان الله جبله على الألفة ، من ضمن التشريعات القرآنية التي أكدها الله ،اجتماعية الإنسان في القرآن و أنه لا يعيش بمعزل عن الناس ، من سورة الحجرات " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ " ، ولا يمكن أن يعيش مجتمعًا انسانيُا بلا ألفة ، اللبنة الأولى هو الفرد ثم الأسرة ثم القرى ثم المدن و هذا التعايش لا يتحقق الا بقلب أليف ، و القرآن أشار أنه يراد للإنسان أن يكوّن اسرة و أن يتزاوج ، كما أكد القرآن على ضرورة الإتصال بين الأرحام ، بل جُعل قطع الرحم سبب من أسباب الفقر و قصر عمر الإنسان ، والتواصل مع الناس لا يتحقق مع قلب حاقد و فض و لا رفقة فيه ولا رحمة ، عن النبي " وأكرم عشيرتك، فإنهم جناحك الذي به تطير، وأصلك الذي إليه تصير، ويدك التي بها تصول " .
القرآن و الروايات أكدت في أن يكدّ الإنسان من أجل لقمة العيش ، معيب و مبغوض الإنسان الكلُّ على ناس لا لضعف ولا لفاقة و لا لعذر ، فنحن مأمورون أن نسعى ، فاذا كانت النصوص تؤكد على أن الله يحب اليد الخشنة فهو كالمجاهد ، لكن لا يمكن أن يحصل الإنسان على فرصة عمل صاحب القلب الفض ، بل الرزق يأتي لصاحب القلب الأليف ، و طلب الرزق له آداب و أخلاق و أن تحمل في جنبات صدرك قلبًا رفيقًا رحيمُا و أليفًا ، حين ذلك يحبك الناس وتحبهم ، علاقة الإنسان لا تستقيم بالفضاضة " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ" ، من أبرز أسباب جذب النبي للقلوب و العقول شخصيته التي اتسمت بالقلب الأليف . اللطافة في التعاطي و التعامل سرّ نجاح شخصية الإنسان ، والناس تنجذب نحو القلب الأليف لأنه أرقى نماذج الخلق ، و الأخلاق كمال للإنسان و الإنسان بجبلته و عقله منجذب نحو الكمال سواء في الطبيعة أو البشر . و أبرز أنواع الجمال الجمال المعنوي .
من خصائص القلب الأليف ، أولًا أنه قلبٌ صادقٌ في تواصله مع الناس ، الألفة و اللطافة لا تكن مع الكذب و الزيف و الخداع ، اللطافة التي يأمرنا بها الشرع في الداخل و الخارج ، أن يكون لطيفًا في قصوده و سلوكه ، عن الإمام علي (ع): " الصدق ينجيك وإن خفته، الكذب يرديك وإن أمنته " و عنه ( ع ) " الصدق صلاح كل شئ، الكذب فساد كل شئ " فلا يشكّل الإنسان صاحب القلب الأليف علاقة مع غيره قائمة على الكذب العاطفي ، فيحبه وهو يبغضه . الخاصية الثانية ، أن صاحب القلب الأليف ليّن هيّن ، عنه (ص) " إنَّ الرِّفْقَ لا يَكونُ في شيءٍ إلَّا زانَهُ، ولا يُنْزَعُ مِن شيءٍ إلَّا شانَهُ " ، يحتاج ان يكون الإنسان لينًا مع أسرته و مجتمعه في أفعاله و أقواله وردود أفعاله و لو كان في الحق . النبي (ص) كان لينًا في أفعاله و أقواله ، والتعامل مع الناس بقلب ليّن هو الذي يحقق الألفة .
الميزة الثالثة للقلب الأليف أنه فلب خلوق ، وديدنه الأخلاق في كل صغيرة وكبيرة ، ولا يفترق القلب الأليف مع الأخلاق الفاضلة " إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم " . وتعلّمنا سيرة النبي محمد (ص) و أهل البيت أنّ القلب اللين و اللطيف يقلب المواقف ، فهو من أهم ما يتمتع به الإنسان المؤمن ان يكون لطيف المعشر ، لين الجانب ، و دودُا في عشرته مع الناس ، ولا يكون مؤمنًا حقًا الا اذا كان هكذا ، أما الإنسان المضار ، الذي يضرّ الناس اما بأفعاله أو أقواله فليس بمؤمنًا حقًا . من نهج البلاغة " قال عليه السلام: المؤمن بشره في وجهه، وحزنه في قلبه" .
التعليقات (0)