شارك هذا الموضوع

الصفا ليلة الثامن من شهر رمضان لعام 1443هـ/2022م

واصل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك في ليلة السابع من شهر رمضان المبارك لعام 1443 هـ ، وتحت عنوان " خصائص القلب المطمئن" ، ابتدأ سماحته بمقطع من الآية المباركة في سورة الرعد " الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)" الآية المباركة تحدثنا حول حال من أحوال القلوب ، كما مر بنا في الأبحاث السابقة بأن القلب الإنساني تعترضه حالات متعددة ، و واحدة من تلك الحالات ، حالة الإطمئنان ، هنيئًا لكل مؤمن يحمل قلبًا مطمئنًا ، السعادة الحقيقية لا تتحقق من الخارج بقدر ما تتحقق من الداخل ، السعادة و الإطمئنان انما منشأها الداخل ، متى ما كان قلبك مطمئنا فكل ما يحوط من حولك يكون مصدر سعادة ولو كان فقرًا أو سجنًا أو أذىً وبلاء ، القلب المطمئن أرقى مصاديق القلوب و أسماها ، النفس التي تحمل قلبًا مطمئنًا تزف الى الجنة ، من سورة الفجر " يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)"


سنبحث الليلة حول الطمأنينة من جانب لغوي و صحي و عقدي اي شرعي وهو الأهم ، في اللغة توقف العلماء حول بيان مصطلح الطمأنينة ، في اللغة هو الإستقرار و السكون و يقابله الإضطراب ، السكون أي من السكينة و الإستقرار وهي من دلائل الطمأنينة ، الطمأنينة في رأي آخر من راحة النفس و سكونها و ثباتها ، وقول آخر هي الثقة وعدم القلق ، أما من الجانب الصحي ، فإن علماء النفس يقولون بان النفس المطمئنة هي النفس الخالية من الضفوط النفسية والحياتية التي تنجم بسبب الإنفعالات السيئة التي تتسم بالقلق و التوتر و الضيق و التفكير المرهق .

بحثنا انما هو حول القلب المطمئن من الجانب العقائدي والشرعي ، القرآن الكريم تحدث حول القلب المطمئن في الآية التي تقدّمنا بها ، و نجد أنّ منشأ الطمأنينة من الله ، سنتحدث حول أهم الحالات الإيجاببة التي تنبغي أن تلازم المؤمن طوال وجوده وحتى ساعة رحيله من الدنيا وهذا ليس محال ،القلب المطمئن هو الذي يسكنه الإعتقاد الثابت بالله عز وجل والمسلّم بالله . أسباب الإطمئنان القلبي عند الإنسان متعددة ، أولًا : معرفة الله عز وجل ، في زمن تعددت الرؤى الفكرية و العقدية ، العقل يقول يجب دفع الضرر وذلك يتوقف على البحث واقامة الدليل لأن ذلك واجبًا ، فلا تعيش الإضطراب ، معرفة الله بالأدلة و البراهين المحكمة منشأ لتأسيس الإيمان الذي يؤدي الى وجود الإطمئنان ، كما قال الإمام علي " أول الدين معرفته " ، هناك من يسوق الأباطيل والشبهات ، لا يتوجب المؤمن أن يرزح تحت وطأة الشكوك بل الرجوع الى الكتب و استماع المحاضرات و تقوية العقيدة و الرجوع الى ذوي الإختصاص .

الطريق الثاني : معرفة الإنسان بسعة رحمة الله تبارك وتعالى ، كلنا يسلم بالقاعدة الروائية " كلُّ بني آدم خَطَّاءٌ, وخيرُ الخَطَّائِينَ التوابون ، " ما دمت لست تبيًا و لست وصيُا فأنت في معرض الوقوع في المعصية ، فإذا عصى الإنسان يشعر بالقلق لوجود النار ، لذا يجب أن نعود للقرآن ونتأمله ، من سورة الأنعام " وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۖ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۖ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (54) " كتب أي قضى انه هو الرحيم ، الإنسان المضطرب الخائف بسبب ذنوبه عندما تتجلى له رحمة الله يطمأن قلبه و تسكن نفسه ، نحن بحاجة أن نعمّق الشعور بالرحمة الإلهية لننبذ القلب المضطرب ونوجد القلب المستقر . يجب ان تكون سرية المؤمن مع الله أن يعيش الإطمئنان . ما أحوجنا أن نعمّق الأمن النفسي لنقبل على الله تعالى ، من دعاء الإفتتاح " فَلَمْ اَرَ مَوْلاً كَريماً اَصْبَرَ عَلى عَبْد لَئيم مِنْكَ عَلَيَّ يا رَبِّ، اِنَّكَ تَدْعُوني فَاُوَلّي عَنْكَ، وَتَتَحَبَّبُ اِلَيَّ فَاَتَبَغَّضُ اِلَيْكَ، وَتَتَوَدَّدُ اِلَىَّ فَلا اَقْبَلُ مِنْكَ، كَاَنَّ لِيَ التَّطَوُّلَ عَلَيْكَ، " ، التوبة واجبة كما يجب الإقلاع عن الذنب .


الأثر الثالث : الإعتقاد أن البداء و التدبير بيد الله ، أن تعتقد ان كل ما بالكون خاضع بإرادة الله وهذا التوحيد الأفعالي ، وهو أن تعتقد جازمًا أنه لا ارادة في الكون حاكمة الا ارادة الله ، ارادة الله حاكمة على كل شيء ، التدبير في الكون لله ، قد تنزل عليك المحنة و الأمراض و الاوجاع ، اذا كان قلبك مطمئنًا بالله لا يضطرب قلبك ، والأمثلة على ذلك كثيرة كموقف المسلمين في بدر وحرمانهم من الماء و حالة المرض ، عنه ( ص ) " يا علي أنين المؤمن المريض تسبيح، وصياحه تهليل، ونومه على الفراش عبادة وتقلبه من جنب إلى جنب جهاد في سبيل الله، فإن عوفي يمشي في الناس وما عليه من ذنب " ، عنه (صلى الله عليه وآله): قال الله تعالى: من لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلائي فليلتمس ربا سواي "

الأثر الأخير : السكينة عند الموت ، لا شك أن المؤمن يعيش السكينة تارة الموت اذا كان يحمل قلبًا مطمئنًا ، عندما حضر الموت أبوذر الغفاري كان مبتسمًا وغيره قلق ، جاء رجل إلى أبي ذر فقال: يا أبا ذر مالنا نكره الموت؟ فقال: لأنكم عمرتم الدنيا وأخربتم الآخرة، فتكرهون أن تنقلوا من عمران إلى خراب ، فالمؤمن يرى الموت بداية لعالم آخر ، كلما كان قلب المؤمن مطمئن لا يخاف من الموت .







التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع