واصل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك في ليلة السابع من شهر رمضان المبارك لعام 1443 هـ ، وتحت عنوان " خصائص القلب المؤمن " ، ابتدأ سماحته بمقطع من الآية المباركة في سورة فاطر " وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ ۖ " المتأمل في كتاب الله ، يجد أن المولى عز وجل يشيد في مواقع متعددة بالنماذج الإيمانية الصلبة ، والمؤمنون يتفاوتون في درجة الإيمان ، فكما روي عن رسول الله (ص) أنّ الإيمان على سبع درجات ، يجب أن يفتش المؤمن عن نفسه و أين يقف في الإيمان ، لاشكّ أن الله يحب عباده المؤمنين ، و الله خلّد المؤمنين مثل زوجة فرعون ، العبرة ليست في الكم لكن بالكيف .
حديثنا اليوم مع نموذج آخر خلّده الله وهو مؤمن آل فرعون ، ولم تذكر الآية هويته فالمعيار هو إيمانه ، المسميات الدنيوية تزول مع موته ، رجل يُعرف بالإيمان الصلب لكنه كان يكتم إيمانه ، اختلفت الروايات في حق هذا الرجل ، وقد قالت بعض الروايات أن اسمه جبريل ، واختلف في أنه من آل فرعون أي أنه من أرحامه و أنسابه و أقرابه المقربين الى البلاط الفرعوني وقول آخر أنه من مستشاري فرعون لكنه من بني اسرائيل ، بغض النظر عن هويته التي ينتسب اليها هذا المؤمن ، نعلم المفارقة الواضحة بين النفاق و التقية ، البعض يتهم أهل التقية بالنفاق وهذا مفهومٌ خاطئ ، النفاق أن بظهر الإنسان الإيمان و يبطن في قلبه الكفر لما عنده من فساد و انحراف ، لكن ما يترشّح منه من منطق هو خطاب المؤمنين ، أما التقية فبعكس ذلك ، فالإيمان يتغلغل في قلب الإنسان ، و الله لا ينظر الى الأبدان بل الى القلوب ، كما امر الله بالحفاظ على النفس و العرض ، فيقتضي الحال في ظرف ذلك أن يظهر المؤمن خلاف ما يُبطن .الإنسان المؤمن يحافظ على إيمانه ، لمّا جلسوا ليدبّروا الكيد على موسى ، قال لفرعون " أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ " ، وقد ظهر من النبي موسى من المعجزات ما أظهر .
إن ادخار المخلصين في قصور الظالمين لنفع المؤمنين أمرٌ له تاريخه ، الإمام الكاظم ( ع ) أبقى علي بن يقطين في قصر هارون الرشيد وهو من الموالين المخلصين الأتقياء وكان وزيرًا للرشيد و التهم كانت تترى عليه ، و يُسوّق في حقه الإشاعات للنيل منه ، لكن الإمام كان ظهرًا له . روي أن علي بن يقطين كتب إلى موسى بن جعفر عليه السلام اختلف في المسح على الرجلين، فإن رأيت أن تكتب ما يكون عملي عليه فعلت، فكتب أبو الحسن: الذي آمرك به أن تتمضمض ثلاثا، وتستنشق ثلاثا، وتغسل وجهك ثلاثا وتخلل شعر لحيتك ثلاثا. وتغسل يديك ثلاثا، وتمسح ظاهر أذنيك وباطنهما تغسل رجليك ثلاثا، ولا تخالف ذلك إلى غيره. فامتثل أمره وعمل عليه. فقال الرشيد: أحب أن أستبرئ أمر علي بن يقطين فإنهم يقولون إنه رافضي والرافضة يخففون في الوضوء، فناطه بشئ من الشغل في الدار حتى دخل وقت الصلاة، ووقف الرشيد وراء حائط الحجرة، بحيث يرى علي بن يقطين ولا يراه هو، وقد بعث إليه بالماء للوضوء فتوضأ كما أمره موسى، فقام الرشيد وقال: كذب من زعم أنك رافضي، فورد على علي بن يقطين كتاب موسى بن جعفر: توضأ من الآن كما أمر الله، اغسل وجهك مرة فريضة، والأخرى إسباغا واغسل يديك من المرفقين كذلك وامسح مقدم رأسك، وظاهر قدميك، من فضل نداوة وضوئك فقد زال ما يخاف عليك .
الإيمان أساس عقيدة الإنسان المؤمن ، الله عز وجل ذكر مجموعة من الخصائص للقلوب المؤمنة ، أولًا أنه معتقد بالغيب ، نحن اليوم بين عالمين ، عالم الشهادة وعالم الغيب ، الإيمان بالغيب و الملائكة و الأرواح و عالم ما وراء الطبيعة يحتاج الى يقين قلبي ، فهي أمور لا تُدرك بالحواس ، من سورة البقرة " وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)" أن تؤمن بوجود مائة و أربعة وعشرون ألف نبي ، وأن تؤمن بالكتب السماوية ، و أن تؤمن بالنار و الجنة وأنت لا تدرك شيئًا منها ، لكن إيمانك الصلب يجعلك متيقنًا ، والطاعة المُطلقة لله ورسوله ، من سورة الأنفال " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ ۖ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ۖ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (1)". لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، فهذه مقولة حق ، متى ما اصطدمت طاعة المخلوق مع طاعة الخالق فلا قيمة لطاعة المخلوق ، حدود الطاعة للولاية و الإمتثال يجب أن تكون منسجمة مع طاعة الله . الأصل في الدين لا ولاية لأحد على أخد الا ولاية الله على خلقه ، فاعطي النبي الولاية ليقوّم النّاس بالقسط و اعطي الزوج الولاية لإدارة الأسرة و أمانها و استقرارها ، و الوالد لمنفعة العيال . متى ما انحرفت تلك الولاية ضربت بها عرض الجدار. أما الولايات الوضعية كالمدير له عليك ولاية فقط في طاعة الله .
نجد أن المؤمن الصادق دائمًا ينظر الى الله . من سورة طه " قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72)" . يجب أن يلتفت أن صاحب القلب المؤمن طاعته لله عز وجل . أصحاب القلوب المؤمنة يعيشون حالة مطلقة من الطاعة و الإنقياد ، اذا أراد الإنسان أن يفتش في قلبه هل يحمل إيمانًا صلبًا او لا ؟ يجب عليه أن يفتش في المواقف و الإمتحانات و الإختبارات التي نمر بها فهي خيرُ دليلٍ ، هناك من يكون ضعيفًا عندها ، فيذهب مهرولًا للمعصية بلا وازع ديني ، وهذه مشكلة تبين أنّ الإيمان عنده ظاهريًا فقط ، و البعض فيه من الضعف والقوة فيقدّم رجلًا و يؤخر أخرى ، يؤمن و يتوب . وهناك من هو صلب الإيمان ، ويفرّ من المعصية .
الميزة الثانية : الصلابة و الثبات ولكنها ليست القوى العضلية و البدنية ، بل قوة الإيمان ، " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30)" عن الإمام الباقر : " الإمام الباقر (عليه السلام): المؤمن أصلب من الجبل، الجبل يستقل منه، والمؤمن لا يستقل من دينه شئ " ، وعن الإمام الصادق (عليه السلام): " إن المؤمن أشد من زبر الحديد، إن زبر الحديد إذا دخل النار تغير، وإن المؤمن لو قتل ثم نشر ثم قتل لم يتغير قلبه " . ومن هنا تجد أن المؤمن يجب أن يكون من أهل الصلاة ، وعن رسول الله (ص): " إن رحى الإسلام ستدور، فحيث ما دار القرآن فدوروا به، يوشك السلطان والقرآن أن يقتتلا ويتفرقا، إنه سيكون عليكم ملوك يحكمون لكم بحكم، ولهم بغيره، فإن أطعتموهم أضلوكم، وإن عصيتموهم قتلوكم. قالوا: يا رسول الله، فكيف بنا إن أدركنا ذلك؟ قال: تكونون كأصحاب عيسى، نشروا بالمناشير ورفعوا على الخشب، موت في طاعة خير من حياة في معصية ." وصاحب هذه الليلة أبو طالب ذهبت فيه المدرسة الأخرى انه رجلًا كافرًا ومات على كفره ، و وقوفه الصلب مع رسول الله و الحصار الذي حدث ذلك سيجازيه الله و هو في ضَحْضَاحٍ مِن نَارٍ وهذه دعاوى باطلة . أبياته و اشعاره ومواقفه التي سجلها التاريخ كلها تدلّ على إيمانه الصلب .
التعليقات (0)