شارك هذا الموضوع

الصفا ليلة السادس من شهر رمضان لعام 1443هـ/2022م

واصل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك في ليلة السادس من شهر رمضان المبارك لعام 1443 هـ ، وتحت عنوان " خصائص القلب الرحيم " ، ابتدأ سماحته بحديث عن النبي ( ص ) : " إن الله رحيم يحب الرحيم يضع رحمته على كل رحيم " . المتؤمل في ما ورد عن النبي و عن الذرية الطاهرة المعصومة ( ع ) ، و بمقارنة بما جاء في كتاب الله عز وجل ، يجد أدلةً ونصوصًا متوافرة كلها تؤكد على ضرورة أن يتصف المؤمن بالرحمة ، الإيمان لا يستقيم الا بالرحمة ، والمؤمن لا يكون مؤمنًا الا اذا كان رحيمًا ، آياتٌ كثيرة ونصوصٌ تؤكد على اتصاف المؤمن بالرحمة وحمل القلب الرحيم ، حديثنا الليلة حول القلب الرحيم .

جنّد الله أنبيائه و أوليائه و أرسل شريعة و أحكامًا تريد صناعة مجتمع رحيم ، فيكون مجتمعًا يقوم على قواعد الرحمة ، وهذا ما دلّت عليه الآية من سورة الفتح " مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ " ، المعية هنا ليست معية مكانية و لا زمانية ، بل تتجاوز الزمان و الحدود و المكان لتكون معيةً مبدأية قيمية . التراحم من ضروريات الإسلام و الإيمان ، ولا يكون المؤمن مؤمنًا الا اذا كان صاحب قلب رحيم لأسباب ثلاثة .السبب الأول : لمشاكلته لربه ، أي المشابهة و نحن نعلم أنّه من أحب انسانًا أحب أن يشاكله في ملبسه و أن يقلده لأنه يحبه ، فاذا كنا نحبّ الله ، فإن من أبرز صفات الله عز وجل الرحمة ، وقد وصف الله نفسه تارة بالرحمة و تارة بالرحيم كما ذكرنا في تبيانها سلفًا ، من أبرز ما يتسم به المؤمن أن يشاكل ربّه بالرحمة ، عن النبي " تخلّقوا بأخلاق الله "، المؤمن المحب لربه يجب أن يحمل قلبًا رحيمًا متؤملًا في صفات الله كالكرم و العفو و الرحمة فيكون كريمًا و رحيمًا .


السبب الثاني : الخوف من عدل الله عز وجل ، القسوة نقيض الرحمة ، اذا ما تجرّد الإنسان من الرحمة و صار قاسيًا ، فويلٌ لمن يكون في قبضته ، اذا انسلخت الرحمة من قلب الإنسان تجرّأ على حدودِ الله ، ولهذا من ضمن ما يجعل المؤمن يحمل قلبًا رحيمًا أن يخاف عدل الله . السبب الثالث : هو وجود المعاد ، فما وراء هذا العالم حساب ، يجب أن تكون رحمة عندك على زوجتك و أبنائك و مجتمعك فمن دلائل الإنسلاخ من الهوية الإيمانية أن لا تؤمن بوجود اليوم الآخر .الإنسان الذي يحمل قلبًا مؤمنًا له عدة صفات ، الأولى رحمته بالمؤمنين ، الله عز وجل أراد مجتمعًا إيمانيًا يقوم على قواعد الرحمة .

في العلقة الزوجية مثلًا من سورة الروم " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) " الرحمة منشأها الشهادتين ، وهناك رحمة مودعة فطرية على قلب الأم تجاه ولدها ، موجودة في المسلمة وغيرها وهي رحمة تكوينية غريزية ، ونحن لسنا بصدد التحدث عنها فهي قهرية ولا دخل ولا فضل لك في وجودها ، الرحمة الغريزية لا يتفاضل فيها الناس ، الرحمة التي يتفاوت فيها الناس و تختلف مراتبهم في الآخرة هي الرحمة الإيمانية التي منشؤها الإيمان ، حجم الرحمة في القلب ليس واحدًا ، بل الرحمة مراتب و هي مفهوم مشكك و ليس مفهوم متواطئ أي متساوٍي ، الإنسانية في جميع الناس علميًا سواسية ، فلا فضل في انسانية الرجل على المرأة و لا الكبير على الصغير ، ولكن هناك فضل في التقوى لأنها اكتسابية و كذلك الرحمة

رحمة المؤمن بالمؤمن مطلوبة ، عن الصادق (ع) يقول لأصحابه " اتقوا الله وكونوا إخوة بررة متحابين في الله، متواصلين، متراحمين، تزاوروا وتلاقوا، وتذاكروا أمرنا وأحيوه " ، هذا التواصل و التحاب و هذه الرحمة منشأها من "رحماء بينهم " ، في الرواية عن الصادق (ع) " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يخونه ويحق على المسلمين الاجتهاد في التوأصل والتعاون على التعاطف والمؤاساة لأهل الحاجة وتعاطف بعضهم على بعض حتى تكونوا كما أمركم الله عز وجل رحماء بينكم متراحمين مغتمين لما غاب عنكم من امرهم على ما مضى عليه معشر الأنصار على عهد رسول الله (ص) " . فيجب على المسلم أن يعين أخيه و يعاونه على حاجته . القاسي الذي لا توجد في قلبه رحمة محروم من الرحمة . عن النبي ( ص ) " والذي نفسي بيده، لا يضع الله الرحمة إلا على رحيم، قلنا: يا رسول الله! كلنا رحيم.قال: ليس الذي يرحم نفسه وأهله خاصة، ذلك الذي يرحم المسلمين. " ، المظهر الثاني : الرحمة العامّة بالناس ، كلنا يحفظ المقطع من عهد الإمام علي لمالك الأشتر عندما ولاه ولاية مصر أعطاه دستورًا عمليًا لسياسته " الناس صنفان ، اما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق " و عنه ( ص) " قال الله تعالى: إذ كنتم تريدون رحمتي فارحموا خلقي" ، اذن هذه تربية الإسلام و الله عز وجل .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع