واصل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك في ليلة الخامس من شهر رمضان المبارك لعام 1443 هـ ، وتحت عنوان " خصائص القلب العاقل " ، ابتدأ سماحته بالآية المباركة من سورة الحج " أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) " ، المتتبع لآيات الله وتحديدًا الآيات التي تحدثت حول القلب باشتقاقاتها المتعددة ، يجد أن هناك وفرة كبيرة جدًا لتلك المفردات باختلاف ألفاظها ، العلماء عندما تتبعوا مفردة القلب في أحوالها المتعددة كالجمع و الإفراد و الإضافة ، وجدوا انها ذكرت 132 مرة ، وورد الفؤاد 18 مرة في القرآن ، وذكر في الثرآن ( الصدور ) و المراد بها القلوب من سياق الآيات 44 لفظ . مجموع ما ذكر والمراد به القلب 194 مفردة اراد الله تعالى أن يتحدث فيها عن القلب . هل القلب و الفؤاد شيء واحد وبينهما ترادف ؟ أم هناك تغاير في المعنى ؟
هناك معان متعددة للقلب ، منها الفؤاد و الصدر وان كان المصداق الخارجي واحد ، القلب في اللغة سمي فلبًا لكثرة تقلبه وانفكاك عزمه واختلال نيته ، مرة يكون ذو روحانية عالية و مرة ذو قسوة شديدة ، مرة يبكي و مرة لا ينكسر ، ويتقلب بالخواطر و العزوم . المؤمن يحتاج الى الدعاء كي يثبت قلبه على التوحيد و الإخلاص ، أما الفؤاد فهو القلب ، لكنه يطلق اذا اعترء القلب حالة من التفقد و التوقد و الإحتراق بعاطفة ، من سورة القصص " وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۖ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) ، فأطلق الله عز وجل الفؤاد لما كان محترقًا و القلب لما ربط عليه ، و في سورة الأنعام " وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110) " لأنه في ظرف الحيرة و التردد والتلكؤ ، لكن يطلق عليه قلب في ظرف الاستقرار ، اذن هذه مفردات لها دلالات و معان ، و من تلك المعاني التي تُطلق على القلب ( العقل ) ، الإدراك و التعقّل من شؤون القلب لكن في مقام الإدراك ، عن الإمام الباقر (عليه السلام): " العقل مسكنه القلب "
ما هي خصائص القلب العاقل ؟ أولًا انه قلب معتبر ، انما العبرة لأصحاب العقول ، فمن انطمس عقله فيمر على العبرة فلا يعتبر ، ويستمع النصيحة و الموعظة فلا ينتصح و لا يتعظ ، العقل ميزان . ومعيار التكليف هو العقل ، واذا سمع صاحب القلب العاقل النصيحة تأثر بها ، عن أمير المؤمنين " أبلغ العظات النظر إلى مصارع الأموات والاعتبار بمصائر الآباء والأمهات " من كان متمردًا في الدنيا ، الله عز وجل أمرنا بالسير و الإعتبار، من سورة العنكبوت " قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)" و السير لا يقصد به السير الجسدي ولا النظر الحسّي ، بل اعمل عقلك و نظرك القلبي في التاريخ و الآثار وخذ العبرة و الدروس ، عن علي " ما أكثر العبر، وأقل الاعتبار! " ، الميزة الثانية أن القلب العاقل يتبع الدليل و البرهان ، و لا تغلب عليه الأهواء و لا العصبية والنسب والحسب ، يتحرّك حيث تحرّك الدليل ، لاسيما في زمن الإفتتان و الغربلة و تتصارع فيها الرؤى و الفلسفات المادية و الإلهية و التيارات و الإلحادية و الشبهات الباطلة في زماننا ، و الدليل لا يُنقض الا بدليل . ايضًا يتميّز أصحاب العقل العاقل بالتقدير الإجتماعي عند العقلاء و المجتمع المتحضر هو من يعرف قيمة العلماء ، و الإسلام الحنيف يكرم أصحاب القلوب العاقلة أحياءً و امواتًا .
التعليقات (0)