واصل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك في ليلة الثالث من شهر رمضان المبارك لعام 1443 هـ ، وتحت عنوان " خصائص القلب الطاهر " ، ابتدأ سماحته بمقطع من الآية المباركة في سورة الأحزاب" إِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ " ، القرآن الكريم يتحدث عن مصاديق القلوب في القرآن و الحقائق العلمية اليوم عندما تتحدث حول القلوب و تحديدًا في علم الأحياء ، وجدوا أن الأخطبوط يتسم بوجود ثلاث قلوب ، وكل تلك القلوب الثالثة وظائفها متغايرة ، تضخ الدم لكن لأطراف مختلفة ليس كقلب الإنسان ، عندما نأتي لنتحدث عن القلوب في القرآن نجد أن الله ذكر أكثر من ثلاثين قلبًا لهذا الإنسان ، فتجاوز الإنسان عالم الأخطوط لكن ليس في العلم الملكي و الملكوتي ، فالقلب الخاشع و الطاهر و الميت ما هي الا حالات للقلوب ، وتتعدد أحوال القلب فتتعدد شاكلته ، واذا تعددت شاكلة القلب تعدد و اختلف العمل الخارجي .
القلوب مصاديقها متعددة و حقيقتها واحدة ، لماذا يأتي الحث على معرفة وظائف القلوب و أحوالها ؟ نحن في ضيافة الله و هذه الضيافة تحتاج الى قلب يتسم بالطهارة لاسيما و أن النبي ( ص ) قال في خطبته " اسألوا الله ربكم بنيات صادقه وقلوب طاهره " فواحدة من أحوال القلوب هو القلب الطاهر ، وهو محط حديثنا الليلة ، لماذا ينساق الحديث حول القلب الطاهر ولماذا يمثل أهمية في وجود الإنسان ؟ روايات عديدة في تراثنا تحدثت حول القلب الطاهر ، منها أن القلب الطاهر هو موضع نظر الله ، في الروايات عنه ( ص ) : " إن الله تبارك وتعالى لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم. " ، و عن الإمام علي " قلوب العباد الطاهرة مواضع نظر الله سبحانه، فمن طهر قلبه نظر إليه " الله ينظر الى خلقه على حد سواء لكن هناك احاطة عامة شمولية و احاطة شاملة للمخلصين ، فالرحمن و الرحيم اسمان لله ، احداهما للرحمة الرحمانية التي تعم على الخلائق كافة ، فيرحم الكافر و العاصي و القريب و البعيد ، و هناك رحمة رحيمية خاصة بأوليائه الخلّص ، ولهذا النظرة الإليهة للقلوب الطاهرة نظرة خاصة تتجلى فيها الألطاف و البركات ، اذا ما أراد ان يحظى بعناية خاصة ليزكي سريرته ،
أثر آخر يحثنا على تطهير القلوب ، أنّ الطاهرة قلوبهم يظلهم الله بظله يوم لا ظل الا ظله ، والمراد بالظل هي أمان عفوه و رحمته و رعايته ، عن موسى بن عمران (ع): " يا رب من أهلك الذين تظلهم في ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك؟ قال: فأوحى الله إليه: الطاهرة قلوبهم " ، أثر آخر : أن القلب الطاهر هو مفتاح فهم معاني القرآن ، شهر رمضان هو ربيع القرآن و لكن الربيع على نحوين ، ربيع ظاهري و ربيع باطني ، لا قيمة للربيع الظاهري ما لم يُرافق بالباطني ، فالظاهري هو المجالس و المآتم التي تصدح بقراءة القرآن ، أما الربيع الباطني هو انفعال القلب بمضامين القرآن و أحكامه و آداب القرآن بحدوده وضوابطه ، ويتحول المؤمن الى سلوك التطبيق العملي للقرآن و يوجد تغييرًا واقعيًا في حياته ، من سورة الواقعة " إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ (78) لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ " المطهرون اما بالمعنى الأعم ، وإما بالمعنى الأخص وهم من قال فيهم في سورة الأحزاب " إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) ".
نتحدث عن القلب الطاهر وحديثنا ضمن سلسلة أبحاث حول حالات القلوب و أنواعها ، واليوم نتحدث حول القلب الطاهر ، حديث أصله روحي لكن آثاره اجتماعية وعقدية و سلوكية و أسرية انطلاقأ من القلب الطاهر ، و له خصائص متعددة ، الخاصة الأولى : أن القلب الطهر لا ذنب فيه ، قلب نقي ، كما قال فيه رسول الله أنه قلب أجرد نقي أملس لا تعلق فيه معصية ولا ذنب ، عن علي عليه السلام : " طَهِّرُوا قُلوبَكُم مِن دَرَنِ السَّيِّئَاتِ تُضَاعَفُ لَكُمُ الحَسَنَاتُ " ، نصرف ما نصرف في جمالنا الظاهري لكن كم نبذل من أجل قلوبنا الداخلية ؟ و كيف نعيد بريق القلب ؟ يمر الإنسان بمرحلتين ، مرحلة التورط في المعصية وهي مرحلة متأخرة ، و مرحلة التفكير في المعصية و لا وقوع في المعصية الا وتسبقها وساوس الشيطان في عالم باطن الإنسان . علينا أن نراقب القلب من آثار الذنوب و المعاصي وهي وليدة بعد المعصية ، ولهذا على المؤمن عندما يعصي ربه يحب عليه التوبة لأنها واجبة . فمن سوّف التوبة يُكتب على جبينه عاص لأمرين ، اقترافه بالمعصية و امتناعه عن التوبة .
الخاصة الثانية : القلب الطاهر لا شهوة فيه ، عجبًا أيمكن أن يوجد انسان من دون شهوة وهي غريزة فطرية ؟ ، الشهوة غريزة شأنها كشأن القوى التي تُخلق بخلق الإنسان ، من سورة المؤمنون " وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) " فالشهوة ليست مطلقة بل من خلال قنوات محلّلة . " فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) " وهو الزنا و السحاق و اللواط و العادة السرية فهذا ما حرّمه الله تعالى . من خصائص هذا القلب أن لا تتمرّد الشهوة فيه ، فأحل الله لك طريقًا محللًا و حرّم عليك الطريق المحرّم ، فالشهوة سلاح ذو حدّين . عن علي (ع) " طهروا أنفسكم من دنس الشهوات تدرك رفيع الدرجات " ، الطريق الشيطاني هو استغلال الشهوات فإنها تذهب بطهارة القلب . فالقلب الطاهر لا شهوة محرمة فيه ، و هذا صراع منذ تكليف الإنسان وينتهي بخروج الروح . اذا تربعت الشهوة على قلب النفس فالويل لهذا الإنسان ان كانت هي المتحكّمة . ومن هنا يجب علينا مراقبة هذه النفس . الخاصة الثالثة : القلب الطاهر لا حقد فيه ، قلب المؤمن لا يوجد فيه حقد دائم ، الحقد يتنافى مع الرحمة التي أودعها الله في قلوب أوليائه ، و المؤمن ليس كالكافر في حقده ، حقد المؤمن اللحظة ، لا ينسجم الإيمان مع الحقد . عن الإمام الصادق (ع): " حقد المؤمن مقامه " . على المؤمن أن ينسى سريعًا فلا ينسجم الإيمان مع الحقد و البفضاء فهما متناقضان .
التعليقات (0)