واصل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك في ليلة الثاني من شهر رمضان المبارك لعام 1443 هـ ، وتحت عنوان " قادة القلوب " ، ابتدأ سماحته بحديث عن رسول الله ( ص ) " قلب المؤمن أجرد فيه سراج يزهر، وقلب الكافر أسود منكوس " النبي المصطفى في مقام بيان خصائص القلوب ، و يعلم الأحبة ان إرادة الله شاءت أن يخلق الإنسان ببعدين ، البُعد الجسماني و الروحاني المجرد ، الجسد يجسد جنبة المادة و الروح جنبة المعنى ، و في كلا البعدين معًا أخطر الأجزاء وهو القلب ، قد يتعطل العقل بسكتة دماغية فيموت سريريًا ، أما القلب الروحي فالتعبير في كونه أهم الأجزاء تعبيرٌ مجازي على اعتبار ان الروح مجرّد و ليس مركّب .
ما هو القلب الروحي ؟ العلماء و المتكلمون عندما وقفوا في مقام تعريف القلبين معًا قالوا : أما القلب الجسماني فهو المعروف الذي يضخ الدم - وليس حديثنا حول هذا القلب - نحن في رحلتنا السلوكية مع الله نحتاج الى القلب المجرد ، قالوا القلب الروحي لطيفة ربانية روحانية لها تعلّق بهذا القلب الجسماني لكنها لطيفة نورانية ، القلب من شؤون الروح ، و النصوص والروايات أكدت على وظائف هذا القلب الروحي .
أولًا القلب الروحي هو معيار الإيمان الحقيقي وهذا التعبير يوجد مفهومًا مقابلًا وهو الإيمان الزائف و الصوري والذي لا يكون حقيقيًا الا اذا تأصّلت مبادئ الإيمان في قلبه فيمر الإيمان بمراتب ثلاثة ، أولًا الإيمان اللفظي وهو التلفظ بالشهادتين ، ثانيُا الإيمان العقلي ، وهو عندما تصل المبادئ الإيمانية بأدلتها وبراهينها وقوانينها الى أحكام العقل فهذه مرتبة أرقى ، ولذلك يوجد إيمان تقليدي وهو ما يتلقفه الأبناء عن الآباء ولكن في مرحلة النضج و البلوغ يبدأ العقل الإنساني يؤسس قاعدة عقدية أصيلة . السعادة الحقيفية في الوصول الى الإيمان الثالث وهو الذي يتصل بالقلب و المراد من ذلك أن يكون الإيمان وصل الى مرتبة عالية من التسليم ، من سورة الحجرات " ۞ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ ".
الوظيفة الثانية للقلب أنه وعاء الفيض الإلهي ، ونحن في ضيافة الله تعالى لا نحتاج الى وعاء مادي بل الى وعاء معنوي ، القلب هو الذي به نغترف الرحمة و العلم و الفيض و الهداية ، فعن رسول الله ( ص ) " إن لله تعالى في الأرض أواني، ألا وهي القلوب، فأحبها إلى الله، أرقها، وأصفاها، وأصلبها: أرقها للاخوان، وأصفاها من الذنوب، وأصلبها في ذات الله " ، الحضور في مجالس الذكر له ألطاف و بركات و كل يغترف بسعة آنيته ، عن الإمام الصادق (ع) " ليس العلم بكثرة التعلم، إنما هو نور يقع في قلب من يريد الله أن يهديه " ، هناك علوم تكسبية الناس فيها سواء و هناك علوم تدفقية من الله تعالى .
الوظبفة الثالثة : القلب هو قائد جوارح الأبدان ، وهذه الجوارح التي يمتلكها الإنسان مقودة وقائدها القلب ، لابد أن تعلم أن جوارحك الخارجبة رهينة بصلاح قلبك الداخلي فالله اراد لنا الخضوع ، عند الصلاة مثلُا : تسليط عينيك على موضع التربة وطأطاة رأسك و وضع يدك على فخديك وهكذا في الصور الجسمانية تعتبر من صور الخضوع ، وكل خضوع وليد خشوع ، اذا علمنا بأن كل شيء أمير فأمير الجوارج هو القلب ، عن الإمام الصادق ( ع ) " إن منزلة القلب من الجسد بمنزلة الإمام من الناس " ، قال أبو حمزة الثمالي: (رأيت علي بن الحسين (عليهما السّلام) يصلي فسقط رداؤه عن أحد منكبه، قال: فلم يسوِّه حتى فرغ من صلاته قال: فسألته عن ذلك. فقال: ويحك أتدري بين يدي من كنت؟ إن العبد لا يقبل من صلاته إلا ما أقبل عليه منها بقلبه) .اذا انخشع القلب والبدن لم يلتفت الى لباس وغيره وهذا ما نحتاجه مع علاقتنا مع الله و هو الخشوع الداخلي ،
السير داخليًا تارة ما يسمى بالسير الإني و السير اللمي ، ونحن نريد السير الإني ، أي أن تهتدي الى حقيقة الشي من آثاره ، وعلينا أن نعرف أن الجوارح هي رهينة الجوانح ، فقلبنا هو القائد لتلك المسيرة ، فمن آثار الصيام أنه يسبب الرقة في قلب الإنسان و ينقيه ، و آثاره كما تنعكس عن البدن ، فإنها تنعكس على سلوكه ، و القلب أداة لإدراك حضور الله . كلما اشتدت بصيرة الإنسان أدرك الحقائق . القلب هو قائد مسيرة العروج نحو الله تعالى . و الكدح الحقيقي يكون بالقلب و نيل المراتب به ، الصلاة معراج المؤمن ، احذر أن تميت قلبك أو أن تضعفه ، لأمير المؤمنين مقاطع و روايات قصيرة ولكنها نافذة ، كثرة الضحك يميت القلب ، وكثرة الأكل و كثرة النوم و مجالسة البطالين و محادثة النساء الأجانب وغيرها ، مؤشرات لها انعكاس سلبي على القلب .
التعليقات (0)