واصل سماحة السيد عدنان الكراني سلسلة مجالسه الحسينية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك في ليلة الثامن من شهر محرم الحرام لعام 1443 هـ ، و تحت عنوان " التضحية في سبيل العقيدة " ، ابتدأ سماحته بالآية المباركة من سورة الكهف " الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46)" ، قد يتصور البعض أن العلاقة بين الدنيا و الآخرة هي علاقة تنافر و تضاد أو استقطاب ، وقد يجهل البعض حقيقة تلك العلاقة من جهة التفكير الإسلامي ، فيعتقد أن من يسعى في طلب الدنيا يكون يسعى لذلك في معزل عن الآخرة ، و البعض يعتقد هي فقط سعي للآخرة و تحصيلها ، و يقطع كل ارتباطٍ وصلة بعالم الدنيا و كأنما يتصوّف في حياتها ، ويعتقد هذا الصنف أو ذاك أن الدنيا و الآخرة كل منهما في طريق متوازٍ مستقلٍ ولا يوجد لقاء بينهما .
الإسلام ليس دينًا خياليًا أو انطوائيًا ، بل هو دين عمل والحياة ، فالدنيا و الآخرة مرحلتان من المراحل التي يسير فيهما الإنسان خلال مسيرته التصاعدية ، وكل المراحل التي يمر فيها الإنسان تتأقلم روحه مع تلك المرحلة التي يمر فيها ، انطلاقًا من عالم التراب الى عالم الأرحام الى عالم الدنيا ثم البرزخ و انتهاءً عند الآخرة . من ناحية أخرى ، فإن الإنسان حينما جاء للدنيا لم يكن ذلك الوجود باختياره ، وانما حينما أُعطينا هذا الجسد وأُلبست فيه الروح أصبحنا نواجه أقدارنا بأنفسنا و علينا أن نتكيّف مع هذا الوضع بما يتناسب مع نجاح و سعادة الإنسان ، نجد أن الإنسان يحتاج الى الكثير من العناصر الضرورية في حياته ، فهو بحاجة للطعام و الشراب فيسعى جاهدًا من أجل تحصيلهما وبحاجة الى زواج .
الإنسان فطريًا يسعى من أجل طلب الأولاد سواءً لبقاء جنسه و امتداده أو من أجل ملأ الفراغ العاطفي الذي يتجاوبه بينه و بين ولده ، أو لإعانته ، الإنسان هو اجتماعيّ بطبعه ويحب أن يعيش في الوسط الإجتماعي ويتفاعل مع غيره من الناس فيعمل جاهدًا من أجل توطيد علاقاته مع الناس في المجتمع وهذه فطرة بشرية . فالدين لا يعزل الإنسان عن المجتمع وعن الشراب و الأكل وعن الزواج و عن الأولاد و لا يصح أن نسمي هذا الإنغلاق زهدًا ، فالزهد شيء و هذا التصوّف شيئٌ آخرٌ . من سورة الأعراف " قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) " ، هذا الإظهار في التزين يجب أن يتناسب مع حال الإنسان لا بافراط ولا بتفريط .
البعض من الناس يتعاملون مع الدنيا و الآخرة تعاملًا غير سويًا ، و ذلك للاختلاط الحاصل في التعاطي مع الروايات التي مدحت الدنيا و ذمت الدنيا . من ضمنها " رأس كل خطيئة حب الدنيا " ، " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر " ، ومن جهة أخرى ، قوله عليه السلام: " الدنيا دار ممر، والآخرة دار مقر، فخذوا من ممركم لمقركم " ، وقوله ( ع ) " إن الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار عافية لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزود منها، ودار موعظة لمن اتعظ بها، مسجد أحباء الله، ومصلى ملائكة الله ومهبط وحي الله، ومتجر أولياء الله " وهذا يعني أنّه يجب على الإنسان أن يعمل في الدنيا جاهدًا ما استطاع من أجل أن يحصل على كم هائل من الأعمال الحسنة حتى يزود نفسه في ذلك العالم و يصل الى المنتيجة المرجوة. الزواج و الأولاد مكملة ومتممة للإنسان في الدنيا وتعينه في الآخرة .
التعليقات (0)