واصل سماحة السيد عدنان الكراني سلسلة مجالسه الحسينية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك في ليلة السادس من شهر محرم الحرام لعام 1443 هـ ، و تحت عنوان " الشهداء أحياء " ، ابتدأ سماحته بالآية المباركة من سورة البقرة " وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ (154) " ، المفسرون الذين يتعاملون مع القرآن الكريم يجدون أنفسهم بين خيارين أمام اللفظ القرآني ، إما إبقاء اللفظ على ظاهره وإما تأويله ، أي العدول من ظاهر اللفظ الى باطنه ، وهو ما أطلقنا عليه راجح و مرجح ، منتسبو مدرسة أهل البيت لا يبقون كل الألفاظ على ظاهرها لأن بعضًا من الظواهر تصطدم مع ثوابت شرعية و عقلية و مُسلّمات ثابتة ، أما بعض المدارس الأخرى فإنها تُفسّر الآيات بناءً على ما جاءت عليه ، فيقعون في معارضة القرآن بعضه البعض أو تجسيم الذات الإلهية ، فلابد لنا أن نصرف بعض الظواهر من ظاهر اللفظ الى باطن اللفظ .
ليس من المنطق أو من العقل أن نتعامل مع القرآن فقط مع اللفظ ، أولًا هناك آيات في القرآن الكريم تبيّن بعض الآيات الأخرى وهناك ما يبينه و يفسره من خلال سنة رسول الله ( ص ) ، وهناك تلازم بين العترة و القرآن كما أشار رسول الله ( ص ). وهذه اشارة على أن كل رواية صحيحة و قوية السند ، لابد أن يكون لها ما يوافقها في القرآن الكريم ، ثانيًا : الله تعالى تعبدّنا بالعقل ، هناك علاقة بين الشرع و العقل ، فما حكم به الشرع حكم به العقل وما حكم به العقل حكم به الشرع ، مثال على ذلك قاعدة التزاحم بين المهم و الأهم ، تقف الآية مع من استشهد في سبيل الإسلام فلا ننظر اليه أنه ميت بل أنه حيّ ، لكن في حالة المقارنة نجد أن الميت على فراشه قد طرأ عليه من سكون الحركة و برودة الجسد كما جرى و طرأ على ذلك الإنسان الذي مات في سبيل الله عز وجل ، ومن هنا يجب ان نقف على باطن اللفظ و نأوّل الآية على غير ظاهرها .
المفسرون انقسموا على عدة آراء ، نقف على بعضًا منها : الرأي الأول : أن معنى هذه الحياة هي حياة الروح و ليست حياة الجسد ، و قالوا أن الآية تريد أن تقول أن الإنسان لما تنتقل روحه من جوار الدنيا الى جوار ربها ، انما هذه الروح باقية و الجسد قد مات و توقّف عن الحركة ، وجاءت الحركة من الروح وليس من الجسد ، رأي آخر قال ان هذه الحياة عند الله تعالى وليست حياة الدنيا ، الإنسان لو ينظر بين حياة الدنيا و الآخرة ، يجد أنّ حياة الآخرة هي التي تمتلك كل صفات الخلود و الجمال و الكمال ، أما حياة الدنيا فهي تعب وشقاء ولعب ولهو و كدر ومصائب لا تستحق أن يفني الإنسان روحه طلبًا فيها ، من سورة العنكبوت " وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64) " ، الرأي الثالث بمعنى الجزاء من نوع العمل ، أي أن كل انسان يعملُ عملًا سوف يكون جزاؤه مع العمل الذي قام به ، فمن يزرع الشوك يجنيه و من يزرع ثمرًا طيبًا يجنيه ، وهكذا كان شهداء الحسين ( ع ) .
التعليقات (0)