واصل سماحة الشيخ عدنان الكراني سلسلة مجالسه الحسينية بحسينية الحاج أحمد بن خميس وذلك ليلة الرابع من شهر محرم لعام 1443 هـ ، وتحت عنوان " ولباس التقوى ذلك خير " ، اذا أراد الإنسان أن يحيى حياة انسانية بكل أبعادها وتكون بعيدة عن حياة الغاب ، لابد له من التقوى ومن خلال هذه المسألة نجد أن الشريعة الإسلامية ركّزت على هذا المضمون مترجمة أهمية التقوى في كل المجالات ، و علي ( ع ) يقول " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى " سواء كان هذا الزاد للدنيا أو للآخرة ، التقوى لغةً مشتقة من وقي ومعناه المحافظة و الصيانة ، وراغب الأصفهاني يقول : هو حفظ الشيء مما يؤذيه ، معنى التقوى شرعا هو حفظ النفس مما يوجب الإثم .
غالبية الناس يقولون أن التقوى تعني الخوف أو الإحتياط أو الإجتناب ، ولكن العلماء يرون أن هذه المعاني ليست من معاني التقوى ، فكيف فهموه الناس بذلك الإتجاه ؟ العلماء يفسرون ذلك أنه لعله ناشئ من الحفاظ على النفس من شيء يستلزم الخوف من ذلك الأمر فيبتعد ويجتنب من ذلك الشيء خوفًا من الوقوع فيه و هذا ما لا يذهب اليه العلماء . كل انسان اذا اراد أن يحقق هدفًا معينأ يجب أن يضع خطة واضحة يسلكها من أجل الوصول الى نتائج جيدة و صحيحة ، و سيجد الإنسان حتمًا بعض المنعطفات، هذه المنعطفات اما تؤثر عليه بالسلب واما بالإيجاب من أجل الوصول الى نتيجة صحيحة .
البعض يفر من المجتمع بمجرد أن يرى بعض الأمراض الأخلاقية ، و البعض الآخر يُحصن نفسه ضد تلك الأمراض المنتشرة في المجتمع و يعمل على وقاية نفسه وهذا ما يجب أن يفعله الإنسان ، أن يلتزم بالضوابط الصحيحة و يحصن نفسه من أجل أن يتمكن من الحياة في المجتمع و التاثير في المحيط الذي يعيش فيه لا أن يفر منه ، يقول الشهيد مرتضى مطهري : التقوى ليست الهروب من الطريق الزلق و إنما التقوى هي الثبات في ذلك الطريق مهما كان زلقًا . فالتقوى هو فتح القلب والباع لكل عناصر المجتمع و العمل على التغيير لا الفرار منهم . رسول الله ( ص ) لم يدعو على قريش وانما دعى لهم بدعاء الرحمة ، هكذا تكون التقوى أن تنزل مع الناس في المجتمع و تنشر رحيقك و عطرك في كل أرجاء المجتمع و تحصن نفسك .
البعض يتحسس من رؤية الانسان التقي ، فيرى التقوى أنها قيد و يريد من النفس أن تطلق جماحها في كل مكان ، فنقول أن التقوى ليست قيد و إنما التقوى صون ووقاية للنفس وللروح ، فهي "قيد" صائن مطلوب . كما البيت تقوى للجسد -مع أنه قيد لكنه مطلوب- فالتقوى للروح ، الآية المذكورة من سورة الأعراف " يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوآتكم وريشًا ولباسُ التقوى ذلك خيرٌ ذلك من آيات الله لعلّهم يذكرون " يقمول الأدباء أن في الآية تشبيه بليغ لأنها ذكرت اللباس الظاهري وكيف أن اللباس يشكل حماية وسترًا ووقاية لجسد الإنسان و علاوة على ذلك فانها تشكل زينة و حلاوة له ، فالتقوى هي لباس يعمل على تزيين روح الانسان و رقيها و رفعتها وازالة كل العيوب الموجودة في الروح من خلال التقوى المطلوبة و الجيدة
بناء على ذلك هناك عدة آراء في بيان الآية ، نستخلص بعضًا منها في تفسير الأمثل يقول " إن هناك عدة آراء عند المفسرين في تحديد المراد من (لباس التقوى) ، فبعض فسره " العمل الصالح " وبعض فسره " الحياء " وبعض " لباس العبادة " وبعض " لباس الحرب " ، في رواية عن الإمام الصادق " ثلاث من لم تكن فيه فلا يرجى خيره أبدا ، من لم يخش الله في الغيب ، و لم يرعو عند الشيب ، ولم يستحي من العيب " ، الإنسان لابد أن يُفعّل دور الرقابة الإلهية عليه فيدخل في دائرة التهذيب وضبط السلوك و يكون انسانًا صالحًا . وقال بعض المفسرين أن لباس التقوى هو الجهاد في سبيل الله عز وجل لأن معنى التقوى مأخوذ من الوقاية وهي الحماية والصون و المحافظة فالمقاتل في سبيل الله أو بشكل عام يتدرع بدروع من أجل أن يحمي جسده من الإصابة ، و هكذا تكون التقوى بالنسبة للروح ، أن يتدرع الإسان بدرع يحمي روحه .
التعليقات (0)