واصل سماحة السيد عدنان الكراني سلسلة مجالسه الحسينية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك في ليلة الثاني من شهر محرم الحرام لعام 1443 هـ ، و تحت عنوان " حقيقة البنوة " ، ابتدأ سماحته محاضرته بالآية المباركة من سورة الأعراف " ۞ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) " ، يقول أرباب التفسير أن هذه الآية الكريمة امتزج فيها الفقه العبادي مع الفقه الإقتصادي ، ولذا سنقسمها الى قسمين ، حينما نقف مع قوله " يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ " . هذه الآية تعرضت للستر والساتر في الصلاة و لذا ادرجت في النحو العبادي ، ولكن السؤال أن الآية خاطبت الناس عامة وليس المسلمين منهم فقط ، فهناك بعض العقائد تكون من اختراعات بني آدم .
هناك اختلاف في جواب ذلك بين المذاهب ، المدرسة التي لا تتبع أهل البيت تقول بعدم جواز خطاب الفرد بالفرع الا اذا أسلم ، لأن الفروع انما ترتبط بأساس الإعتقاد بالله و الإيمان به ، فلا يمكن توجيه الخطاب الى من هو فاقد لأساس الإسلام ، وذلك لأنه غير مكلف بها الا اذا أسلم ، في الرسالة العملية من صحة العمل الذي يترتب عليه أثرًا أن يكون الإنسان مسلمًا بالغًا عاقلًا ، أما مدرسة أهل البيت خالفوا ذلك ، وقالوا بجواز خطاب غير المسلم بالفرع حتى قبل اسلامه ، لأن خطابه بالفرع يساوي خطابه بالأصل ، و حينما يُخاطب الإنسان قبل اسلامه بالأصول الإسلامية انما يكون لأجل أخذه لعبادة الله ، و حينما يوجه بالفروع و يُخاطب بها ، انما الفروع هي ترجمة عملية لعبادة الله سبحانه و تعالى ، فحين نخاطبه بالفرع ، نحن نخاطبه من أجل عبادة الله و هذا يساوقه خطابنا له بالأصل . ولكن حينما نأتي للآية الكريمة نجد أن لله عز وجل أراد أن يعطي الصلاة بُعدًا عامًا - فلا يكاد يوجد قوم من الناس الا وتوجد به الصلاة بطريقة أو بأخرى - ، اذن الصلاة فيما فرضه الله وحتى ما يعتقد به بخلاف المسلمين هي وسيلة تهذيبية لسلوك الإنسان و تربيته على مستوى الفرد ، والله يريد بذلك صلاح المجتمع و هل يصلح المجتمع الا بصلاح الفرد .
الصلاة هي معراج المؤمن و هي صلة بين العبد و بين ربه ، متى ما كنت تريد أمورك تصطلح ، فتش في اهتمامك بصلاتك ، ستجد أن أمورك الحياتية تترتب و تتنظّم ، في موسم عاشوراء يجب أن يكون احياؤنا لذكر الحسين ليس فقط لاحياء ذكر اسمه ، بل لتحيى قلوبنا و عقولنا و مجتمعاتنا ، وبقاؤنا ووجودنا في الدنيا مستمرٌّ باحيائنا لشعائر الحسين و شعائر الدين ، فليكن عند حضورنا لمواكب العزاء و تعزيتنا للحسين أن نراقب أنفسنا دائمًا ، فالبعض - مع شديد الأسف - يتعلل بعلل واهية غير ناهضة من أجل أن يبرر ذنوبه و معاصيه ، علماء النفس يرون بأن التغيير لابد أن يكون من نفس الإنسان ويبدأ حينما يعترف الإنسان بخطأه فتكون وسيلة العلاج سهلة بين يديه لا بإلقاء اللوم على الناس ، من سورة الرعد " إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ " . اذن فالصلاة تنهى عن المنكر و تأمر بالمعروف ، وهي الوسيلة التهذيبية الأولى التي تعمل على تهذيب الإنسان .
المتأمّل في الآية " بني آدم " يجد أنها تعتبر كل فرد من أفراد المجتمع هو ابن لآدم ( ع ) ، لكن ما المسافة بيننا وبين آدم ؟ ، لا يعلم هذه المسافة الا الله ، وان امتلك الإنسان شجرة نسب فانها تتوقف عند مستوى محدد ، لكن بالرغم من ذلك فإن القرآن يصف هذه العلاقة بعلاقة (بُنُوّة) بين الإنسان الحاضر و آدم ( ع ) ، أي أنّ الأبناء مهما نزلوا يعتبرون أبناء حقيقيين وهذا الأمر يثبت بُنُوّة الحسن و الحسين لرسول الله ( ص ) ، ولكن بعض المسلمين ممن سيطر الحقد على قلوبهم و أفعالهم فتضطرب أنفسهم حينما توجد مسألة فيها اشارة الى علاقة الحسن و الحسين برسول الله ، في حين أن تلك المسافة ليست مثل العلاقة بيننا وبين آدم ، بل الفاصل فقط هو سيدتنا فاطمة ( ع ) ، وهذا ما يبيّن التطرف الذي وصل اليه البعض في نفي تلك العلاقة و ابعادها ، من ضمن تلك الفئة هو الحجاج بن يوسف الثقفي ، حيث كان لا يتلذذ بطعام و لا بشراب الا بوجود دماء ورؤوس العلويين على مائدة طعامه ، و الإصرار على ذلك ليس على العلاقة الدموية و الجسدية بين رسول الله ( ص ) و أولاده من صلب فاطمة ، و انما الأمر ينطلق الى العلاقة الروحية ، فهناك من ينتسب للرسول وهو بعيد عنه في المبدأ و الفكر و التعامل .
الحسن و الحسين ( ع ) هما النموذجان الممثلان لرسول الله (صً) و هما اللذان يحملان مقوّمات شخصيته الفكرية والعقائية و الأخلاقية و غيرها ، وكلّ عقل راجح سيجد أن هذا الأمر قد تجسّد في ردة الفعل عن طريق صياغة الزيارة للأئمة ( ع ) ، فتتوجه لزيارتهم وتقول " السلام عليك يا بن رسول الله ، السلام عليك يا بن أمير المؤمنين ، السلام عليك يا بن فاطمة " ثم تصل الى ( وارث آدم ). مما يؤكد استمرارية نهج الحسين مع نهج الأنبياء وهذا ما اتبعه ( ع ) في حركته الإصلاحية . عنه ( ص ) : " حسينٌ منّي وأنا من حسين" .
التعليقات (0)