شارك هذا الموضوع

السيد ميثم المحافظة ليلة الثامن عشر من شهر رمضان لعام 1442 هـ

أكمل سماحة السيد ميثم المحافظة سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك في ليلة الثامن عشر من شهر رمضان المبارك لعام 1442 هـ ، وتحت عنوان " البداء وليلة القدر " ، البداء من عقائد الشيعة و مختصاتهم ، الا ان كل المسلمين يعملون بالبداء ، فلماذا ينفصلون عن مدرسة أهل البيت في هذه العقيدة ، بل يتهمون من يعتقد بالبداء بأنه نوع من الالحاد في أسماء الله ، و أن الله قاصر في علمه يتبدل في آراءه و يتغير . ومن منطلق الدخول للحديث الشريف " ما عبد الله بشيء مثل البداء " ، دلالة على الأسرار التي لها مردودات و ثمار

البداء لغةً : هو الإبانة و الإيضاح بعد الخفاء ، اصطلاحُا : يقول الشيخ جعفر السبحاني في كتابه الإلاهيات : البداء هو تقديم أو تأخير أو تغيير ما قدره الله على العباد تبعًا لأعمالهم من خيرات أو فساد ( مع سابق علمه ) . وهي تحل الإشكال الحاصل ، الله يجعل بعض الأمور معلقة لأعمال العباد ، فيحصل المحسن و يُحرم المسيء ، من باب المشاكلة نقول بدا لله شيء ثم صار شيئًا آخر ، وهو ليس على وجه الحقيقة بل الله يشاكل عباده ، فالله في سابق علمه ماكان وما سيكون ، هذه المقادير لله ، نفعل الخير فتزيد النعمة ، والعكس ، وهذا ما يؤمن به كل المسلمين ، و الخلاف لفظي فقط . هم يعتقدون بأننا نرمي بالله أنه لا يعلم ثم يعلم ، ونحن نقول من سورة آل عمران " إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5) " ، فالبداء ليس حصول العلم عند الله بعد ان لم يكن ، ليس هذا المقصود ، بل أن كل المسلمين طالما يقولون بالنسخ فهم يؤمنون بالبداء . فآيات القبلة و آيات الخمر هي البداء .

الله عالم بكل ما سيكون وما يختار الإنسان ، و هذا التغيير يحصل عندنا وليس عند الله ، على سبيل المثال : عندما تزرع بذرة ما ، فانك تعلم بالتغيير من جهة و الطفل لا يعلم بالتغيرمن جهة أخرى وهكذا اعتقادنا بالبداء ، فالتغيير حصل من جهة الإنسان و لم يحصل من جهة الله لأنه عالم بما سيحصل . فنوجه للآخر بأن يفهم المعنى ، هناك دائرة العلم و دائرة المقادير ، دائرة المقادير لله عز وجل فيها البداء من تقديم و تأخير وتغيير وفيها نص الآية " من سورة الرعد " يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ۖ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39) " . تبعًا لأعمال العباد ، هكذا كان مقدرًا عليك ، ففعلت هذا ، فصار هذا ، فدائرة المقادير تتغير و كل المسلمين يؤمنون بذلك ، فاللوح المحفوظ فيه كل شيء و هو لوح المقادير ، و يعلم به الله و الأنبياء و الأئمة و الملائكة .

ماثمرة الأمر ؟ نحن اذا عرفنا ان هذه المقادير و الأحداث قابلة للتغير تبعًا لعزيمة وهمة الناس ، من سورة الرعد " لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ (11) " يصبح لنا الطموح و العزيمة ، ولانضعف بسبب أن الله قدر لنا هذا ، فنعمل بالصدقة و نعمل الخير لكي يكون الخير في صالحنا ، رسول الله (ص) - حين سأله علي (عليه السلام) عن قول الله: (يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتب) -: لأقرن عينك بتفسيرها، ولأقرن عين أمتي من بعدي بتفسيرها: الصدقة على وجهها، وبر الوالدين، واصطناع المعروف؛ يحول الشقاء سعادة، ويزيد في العمر " ، وليلة القدر سيرصد فيها كل شيء ، لا تدري ما المقدر لك في عالم التقدير ، فندعوك الى أن تضج لله طوال الليل لعل شيئًا موجودًا في الغيب يُدفع بتوجهك . و مع ظهور الكورونا ، مع المؤسف أن لا يتغير داخلنا شيء ، لابد أن نغير سلوكنا و نضج الى الله تعالى ، و هذا البلاء هو منبه ، وليالي القدر و ليالي استشهاد الأمير ( ع ) فرصة للتغيير .

من سورة الصافات " فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)" ، كان مقدرًا على نبينا يونس أنه يلبث في بطن الحوت ليوم القيامة ، لكنه كان ذاكرًا فغير الله ما كان مُقدرًا عليه - مع علم الله المسبق - فيتغير تقديره من المكث الى الخروج ، و هكذا نتحرك في الدعاء لما له من تأثير و اتصال مع مالك الملك ، و لا ينبغي أن نعتمد فقط على الأسباب المادية وننسى الله عز وجل ، البلاء للمؤمن رحمة ، اذن اذا آمنا بالبداء يعني وجود محرك و دافع كبير لتغيير كل المقادير بالإيمان و الصلاح و الدعاء ، و أن الدعاء ليخرم القضاء ، هناك قضاء مختوم و قضاء مخروم ، و دائرة المخروم أوسع و هي القائمة على أعمال العباد . فلا يمكن أن يقف عمرك اذا صليت وصمت لأنه من القضاء المحتوم ، أما القضاء المخروم فيتبع أعمال الإنسان بمثابة الاختبار ، ومن ألطاف الأئمة ( ع ) تنبيه الناس لأنهم مُطلعون على ما هو مقدّر ويعلمون بمجريات الأمر ومصالح الناس فيأمرونهم بالتغيير .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع