استهلّ سماحة السيد ميثم المحافظة سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك في ليلة السادس عشر من شهر رمضان المبارك لعام 1442 هـ ، وتحت عنوان " كتاب مبين و لا تُدرك ظواهره " ابتدأ سماحته بمقدمة استفسر فيها عن كيفية أن يكون الكتاب مبينًا وواضحًا ولكنا بحاجة الى التفاسير لتبيان معانيه ، وهناك آيات تحث على تدبر وفهم القرآن ، و من جانب آخر الآية الكريمة " وأخر متشابهات " فكيف يكون القرآن مبينًا مع وجود المتشابه ، أيضًا هناك روايات تحث العوام و الناس بفهم و التمسك بالقرآن ، و روايات أخرى تقول انما يعرف القرآن من خوطب به ، وفي هذه المقدمة نستقرأ من الروايات في حال التبست الأمور علينا التمسك بكتاب الله ومن ثم تخاطبه الآيات أن من فسر القرآن و أصاب لم يؤجر و اذا لم يصيب فقد أثم ، عن الإمام الصادق (عليه السلام): " من فسر القرآن برأيه فأصاب لم يؤجر، وإن أخطأ كان إثمه عليه " ، و نحن نفسر القرآن كونه وصف نفسه مبينًا و نحن كعرب بامكاننا الفهم ، ولكن هناك روايات تدعو الى الفهم و روايات تدعو الى عدم التفسير و يحتاج الى تراجم و الى من خوطب به ، و هذه مقدمة وأسئلة نجيب عليها من خلال مجلسنا هذا .
وردت كلمة مبين في القرآن الكريم مائة وخمسة و عشرين مرة ، وهناك آيات كثيرة وصفت القرآن بأنه مبين منها في سورة يوسف " الر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1)ِ " ، ومن سورة الزخرف " حم (1) وَ الْكِتَابِ الْمُبِينِ " و سورة الدخان : " حم (1) و َالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) " ، ما معنى مبين ؟ مجمع البحرين يقول فيه الطريحي أن المبين هو الواضح الذي لا يحتاج الى دليل لجلائه ووضوحه ، انقسم الشيعة و السنة الى ثلاثة أقسام في كلمة مبين و سياقاتها، القسم الأول ، ذهب أن المبين هو الواضح لغة و يفهمه العرب جليًا لا يحتاج الى بيان معاني وحمل هذا الرأي السيد الطباطبائي ، القسم الثاني : مبين أي أبان الحق من الباطل ومنهم سماحة الشيخ مكارم الشيرازي ، القسم الثالث وهي الدائرة الأضيق ، مبين أي بيّن الحلال والحرام من صدق وكذب و خمور و بيع و ربا ، فأقبل القرآن الكريم لتبيان الحلال و الحرام . ولكن القسم الأكبر من علماء الشيعة و السنة اجتمعوا على القسم الأول وأن القرآن واضح لغةً ، و من هنا نوضح الإشكال الحاصل .
السيد الخوئي يقول أن اللغة العربية في عصر النص بلغت أوجها ، وأن لغة القرآن نزلت بلغتهم وفهموه بشكل واضح لا لبس فيه ، ومن دلائل هذا الكلام احتياجنا للتراجم في فهم الكثير من الأشعار السابقة قبل الإسلام و بعد الإسلام ، مثل شعر أبو طالب و خطبة الزهراء ولم يدعي أحد في التاريخ عدم الفهم . واليوم في فهم خطب أمير المؤمنين ونهج البلاغة نحتاج للكثير و الكثير الى فهمه ، بل وحتى في قراءة شرحه من أجل الفهم . تداخلت اللغات في زمننا الحاضر و صارت اللغة العربية الأصلية هي الغريبة ، بعد تداخل اللغات الأخرى مثل التركية و الفارسية و الإنجليزية ، و ابتعدنا شيئًا فشيئًا عن اللغة الأصلية . فالبعد الزمني وابتعادنا صيّر لغتنا العربية بعيدة . ثمرة كلامنا هو أن ذلك قادنا لخلاف فقهي أو بالتحديد أصولي ، ظاهر القرآن وباطن القرآن ، البواطن لا يدركها الا من خوطب بها ، ولا يعلم تأويله الا تأويله و الراسخون في العلم و ليس العلماء بل هم محمد و آله ، كلامنا في مبين كونه حجة حول ظواهر القرآن وفهمنا له ، و ينجز عملًا و تكليفًا ، و قد اختلف علماؤنا على ثلاثة أقسام .
القسم الأول ذهب الى حجية ظواهر القرآن الكريم ، و بمجرد فهمك للآية أنجزت لك شيئًا في الداخل أما تعمل واما تبتعد ، القسم الثاني قننه بشروط ، وأن القرآن مفهوم وحجة لكل من يفهم الآية وظواهرها الا الآيات التي تحتاج الى تفصيل مثل " أقم الصلاة " فتعرف الصلاة ولكن تحتاج الى تفصيل من النبي والروايات فتتوقف عليك ولم يعد ظاهر القرآن حجة عليك ، هناك أيضًا ألفاظًا مشتركة و سياق الآية لا يشفع لك فتعرف مرادها مثل المقطع من سورة النساء " وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43) " ماهو الصعيد الطيب ؟ فهي تحتمل الحجرو الحصى و الرمل و الرماد ، فيدرسون العلماء ماذا عمل الصحابة في ذلك الوقت و توصلنا بعد ذلك أنه التراب الناعم . الرأي الثالث منع منعًا باتًا حجية ظواهر القرآن و ان ظواهره ليست حجة ولابد من الرجوع للروايات .
الرأي الأول مثله سماحة الشيخ الخوئي ورأى بحجية ظواهر القرآن ومنجز له تكليفه على كل من يفهمه ، لأن القرآن نزل بلغة العرب ، من سورة محمد " أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) " . و يستدل ذلك بعدة أدلة وهي قرابة الثمان أو التسع أدلة ، نتظرق الى ثلاثة منها و هي الأساسية ، الدليل الأول لا يصح التحدي الذي نزل به القرآن للعرب على قرآن لا يُفهم ، و كل نبي تحدى قومه بما هم بارعون فيه والقرآن نزل اعجازًا و بلاغةً في لغته ، الدليل الثاني هو روايات التمسك بالقرآن ، فكيف نحيل الناس الى قراءته و التمسك به وهم لا يفهمونه أو لم يحرك فيهم شيئًا ؟ الدليل الثالث هو روايات العرض ، وهي أن نأخذ الروايات ونعرضها على القرآن الكريم ، فكيف يحيلنا أهل البيت الى ميزان حاكم وحاسم وهو القرآن و هو كتاب لا يًعمل بظواهره و ليس حجة علينا . الرأي الثاني : وقد تبنىاه صاحب الحدائق الشبخ يوسف البحراني ، وهو أنه اتفق مع السيد الخوئي و ساق مثل الأدلة و لكنه اختلف معه في الروايات التي تحتاج الى تفصيل ، و الكلمات المشتركة و التي تحمل أكثر من معنى ولا يشفع لك سياقها أن تفهمها ، الرأي الثالث يتبنونه جملة من العلماء على رأسهم ابن مندل الأصفهاني وهو أحد المتخصصين في علوم القرآن لكن لم يكن له تفسيرًا . ويقول بأن ظواهر القرآن ليست حجة ، ودليله أن في القرأن متشابه " فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) ، فيحذر من ذلك ولا حجة في ظواهر القرآن ويستدل بالرواية عن رسول الله (ص): "من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار " ، ويستدل أيضًا في الروايات أن للقرآن ظهرًا و أبطن ، و في القرآن تأويلات و لا يعلم تأويله الا الله و الراسخوم في العلم .
السيد الخوئي ناقش في تلك الأدلة . ورد على الدليل الأول بأن ورود المتشابه في القرآن ليس من الاشتباه و الغموض و الإلتباس ، بل ان هناك تشابه في بعض الآيات ، فالمُحكم أنها الآيات الحاكمة الناسخة للآيات الأخر ، هناك آيات نزلت متشابهة مثل آيات الخمر . فتأتي آيات تحكم الحكم ، الدليل الثاني أن حديثنا حول مظاهر القرآن الذي يفهمه القارئ العادي ولا نتحدث عن الباطن و التفسير المراد به المعنى الآخر . فهذا دليلا نحن ليس بصدده ، فالأمور الباطنية ليست حجة و هذا دليل على الأمور الباطنية وليس على الأمور الظاهرة ، ثم أنه من فسر القرآن برأيه ، أي أنه ليس معتمدًا على قواعد أصولية في التفسير بل كان ذلك بهواه و رأيه وذوقه و استحساناته ، فيتلاعب بالآيات و يحرفها و يوجهها مكانًا آخرًا ، ويطرح الخوئي مناسبة و تفسير وتأويل أن القرآن لا يعرفه الا من خوطب به أي لا يعرف تأويله و ليس عن ظواهره وحجيتها ، و من أفعال اليهود استخراج بواطن القرآن و تأويله . و أعداء أهل البيت أيضًا و هذه الأمة الإسلامية مع الأسف عمدت الى مثل الفعل ، قلبت الآيات و حرفتها لاسيما الآيات التي نزلت في حق أهل البيت ، و صنعوا تواترًا مصطنعًا و دسوا في رواياتهم عليهم السلام أحاديثًا كثيرًا ، فحرّفوا الحق .
التعليقات (0)