شارك هذا الموضوع

الصفا ليلة الخامس عشر من شهر رمضان لعام 1442هـ

اختتم سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك في ليلة الخامس عشر من شهر رمضان المبارك لعام 1442 هـ ، وتحت عنوان " خطوات -الزم عونك " ، و قد هنأ سماحته المؤمنين جميعًا ولا سيما الفقهاء و للأحبة بمناسبة ذكرى ولادة أبي الحسن الزكي ، و دعى أن يفرج عنا وعن جميع المؤمنات ، ثم بدأ سماحته بالآية المباركة من سورة المائدة " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35) " السير لله عز وجل سيرٌ لا يستغني فيه السالك ولا المتعبد عن العون والوسيلة التي تعينه لبلوغ ذلك المقام ، الآية المباركة تضع خارطة واستراتيجية متكاملة للسير لله عز وجل ، الشق الأول يقول أن السير لله لابد أن يستند لقاعدة راسخة وهو الإيمان به ، و الخطوة الثانية التقوى و هو الخوف والحذر وهو منشأ الحضور برقابة لله ، أي أن يتحرك الإنسان تحت ظلال رقابة الله عز وجل فيكون من المتقين ، ثم اذا تحققت التقوى يحتاج للمعين و الوسيلة ، تلك الوسيلة ليست ذاتية من عندك ، بل وضعها الله تعالى و الرسول .

مواصلة للسلسلة الأخلاقة وهذه المحاضرة هي الخامسة أخلاقيًا في سلسلة خطوات ، الخطوة هذا اليوم " الزم عونك " السالك لله لابد أن يتمسك بعونه ، العون الذي نستعين به ، الطريق لله يحتاج للأعوان ، فما هم الأعوان ؟ أول مصاديق العون في السلوك لله عز وجل هو العقل ، و الروايات تؤكد على أن العقل أعظم النعم الإلهية التي تعين الإنسان في سلوكه مع الله ، بالعقل تميز الحق من الباطل ، و بالعقل مجردًا -دون النبوة - قادرٌ على ادراك الحق و الظلم ، الخير و الشر . وهذاسرّ الخلاف بيننا وبين الأشاعرة وهو منهج عقدي قالوا بأن الحسن و الكره شرعيان و نحن نقول أنهما عقليان . اذا نزل الوحي فانه يؤكد ما حكم به العقل في رتبة سابقة ، هذا العقل هو معيار التكليف وبه يصلون الى كمالاتهم ، وجوده فطري وليس اكتسابي ، بمعنى ان وجود العقل في الناس ليس راجع لجهد تبذله فتكتسبه . انما هو منة وهبة من الله ، فلا يتفاضل أحد به على أحد ، نعم يتفاوت الناس في التعقل ، أما أصل وجود العقل فهم على حدٍ سواء . من وصية موسى بن جعفر (ع) لهشام بن الحكم وصفته للعقل. قال (عليه السلام):" يا هشام إن الله تبارك وتعالى بشر أهل العقل والفهم في كتابه، فقال: " فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ " الإمام باب الحوائج يقول " يا هشام إن لله على الناس حجتين: حجة ظاهرة وحجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة - عليهم السلام -، وأما الباطنة فالعقول. " اذا ذهب العقل سقط التكليف . يقول النبي ( ص ) " قوام المرء عقله، ولا دين لمن لا عقل له " . العقل هو سر رفعة الإنسان وهو العون الأول له .

العون الثاني الذي يحتاجه الإنسان هو الصديق الصالح ، يقول لقمان الحكيم لابنه " وليكن همك بعد الإيمان بالله خليلًا صالحًا " بعد أن تؤسس قاعدة الإيمان ، فيجب أن تتخذ الصديق الصالح ، لأنه يعين على الصلاح و الصديق الفاسد يعين على الفساد ، الصديق التقي يقربك من الله ، والذي انسلخ من التقوى يُبعدك ، ما أحوجنا الى الصديق الصالح . الإمام علي ( ع ) يقول " صَاحِبِ الْحُكَمَاءَ وَجَالِسِ الْحُلَمَاءَ وَأَعْرِضْ عَنِ الدُّنْيَا تَسْكُنْ جَنَّةَ الْمَأْوَى " ، و يقول ( ع ) " صحبة الولي اللبيب حياة الروح " الروح تحيى بمصاحبة الصالحين ، و تموت اذا صاحب الطالحين ، لأننا بشر و البشر يؤثر ويتأثر ، فاذا جالس الصالح الصالحين اخذ من صلاحهم ، و اذا جالس الطالحين أخذ منهم . في رواية كان النجاشي ذاهبًا لصلاة النوافل ومر في شهر رمضان بأبي سمال الأسدي بالكوفة فقال له: ما تقول في رؤوس حملان في كرش في تنور قد أينع من أول الليل إلى آخره. قال: ويحك في شهر رمضان تقول هذا قال: ما شهر رمضان وشوال إلا سواء. قال: فما تسقيني عليه قال: شرابا كأنه الورس يطيب النفس ويجري في العظام ويسهل الكلام. ودخلا المنزل فأكلا وشربا فلما أخذ فيهما الشارب تفاخرا وعلت أصواتهما فسمع جار لهما فأتى علي بن أبي طالب (ع) فأخبره فأرسل في طلبهما. فأما أبو سماك فإنه شق الخص فهرب وأخذ النجاشي فأتي به علي بن أبي طالب ( ع ) فقال: ويحك ولداننا صيام وأنت مفطر فضربه ثمانين سوطا وزاده عشرين سوطا فقال: ما هذه العلاوة يا أبا الحسن قال: هذه لجراءتك على الله في شهر رمضان. " .

العون الثالث هو الزوج الصالح ، و الزوج يُطلق على الرجل و المرأة ، فالزوج اذا أراد ان يصل الى مراتب الكمال فيحتاج الى زوجة تنسجم معه فتكون عونًا له في طريق الكمال و العكس كذلك ، النبي ( ص ) زوج فاطمة من علي ( ع ) ، فسأل عليا: "كيف وجدت أهلك؟ " قال: نعم العون على طاعة الله، وسأل فاطمة فقالت: "خير بعل" ، عن رسول الله ( ص ) " إِذَا أَيقَظَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ مِنَ اللَّيْل فَصَلَّيا أَوْ صَلَّى ركْعَتَينِ جَمِيعًا، كُتِبَا في الذَّاكرِينَ وَالذَّكِراتِ " ، كل واحد يحفز زوجه على طاعة الله . المعين الرابع الوسيلة ، من سورة المائدة " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35)" جاء في الوسيلة عدة آراء ، جاء في النص هم الأنبياء و الأوصياء وجاء في النص هي الفرائض والواجبات و جاء في النص أيضًا هم محمد ( ص ) و أهل بيته ( ع ) . الأمة الاثنا عشر هم مصداق من مصاديق الوسيلة التي أمر الله بضرورة التمسك بها فانها موصلة الى الله . فهؤلاء وسائط وهي ليست من الشركيات كما يعتقد البعض ، " وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ" فالرسول وسيلة ، و في سورة يوسف " قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ۖ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98)"كان بوسعهم أن يطرقوا باب الله ، لكنهم طرقوا باب الله بواسطة وليه . الوسيلة هم أولياء الله و الروايات التي تحدثت عن آل البيت أنهم الوسيلة كثيرة ، و نجتمع الليلة في ذكرى ولادة امام معصوم و هو الحسن الزكي الذي أنار الدنيا بنور ولادته ، وهو أحد مصاديق الوسيلة التي من تمسك بها نجى ، و الإمام الحسن بأوامره و تعاليمه و شروطه التي وردت عنه ، من تمسك بها وصل الى الله عز وجل .

لنقف مع هذه الوسيلة المباركة و المنة العظيمة التي تفضل بها الله علينا ، وجود الإمام نعمة لا تُقاس ، و أعظم بلاءه على هذه الإمة هو غياب امام زمانها ( عج ) . هذه الشخصية التي أمر الله تعالى بالتمسك بها لما فيها من خصائص قادرة على قيادة الأمة نحو الكمال ، أول تلك الخصائص أنه مظهر العقل في هذا الوجود ، " لو تمثل العقل رجلا لكان ابني الحسن" " وهذه اشارة لرفعة علمه وكماله ، وفي رواية أخرى " إن ابني هذا سيد" والسيادة هنا بمعنى علو الشأن و السيد الوجيه و السؤدد ، و ليس بمصطلحنا الحالي . عن فاطمة (ع) أنها أتت أباها بالحسن والحسين في شكواه التي مات فيها فقالت: تورثهما يا رسول الله شيئا؟ فقال: أما الحسن فله هيبتي وسؤددي، وأما الحسين فله جرأتي وجودي " ، كانت له مهابة لا تُقاس حتى انه اذا جلس في الطريق تنقطع المارة من هيبته التي تأخذ العقول و القلوب ، ميزة أخرى كانت في الإمام ( ع ) أنه أعبد أهل زمانه . فحج بيت الله ماشيًا خمسة و عشرين مرة . يتوجب علينا أن نعرف ونحن نحيي ولادته هذا الإمام العظيم الذي كان يتدفق معرفة بالله . وعلينا أن نتأمل حياة الإمام العبادية و العلمية و التقوائية ، و علينا أن ننظر حياة الإنسان لنقتبس من نوره نور . الإحياء ليس لغوًا أو عبثًا . انما لنقتبس من عطاءهم و نأخذ جذوة من نورهم لنشق طريق الظلمات .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع