شارك هذا الموضوع

الصفا ليلة الثالث عشر من شهر رمضان لعام 1442هـ

واصل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك في ليلة الثالث عشر من شهر رمضان المبارك لعام 1442 هـ ، وتحت عنوان " خطوات - حرر نفسك " ، بدأ سماحته بمقطع من المناجاة الشعبانية للإمام علي ( ع ) : " اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ " . الإنقطاع أول خطوات العروج و السلوك و العودة لله ، تحدثنا في سلسلة حديثنا الأخلاقي أن طريق العودة لله يمر بخطوات ، الأولى الإفاقة ، الثانية تحديد الهدف وهو الله ، أما الثالثة غهو الإنقطاع ، النفس المُثقلة بالتبعات و الهموم و الذنوب و الغفلة و غيرها من القيود ، لا يمكن أن تصل الى مراتب القرب من الله ، من دون أن تحقق الإنقطاع ، الإنقطاع ليتحقق يحتاج ثلاثة شروط أساسية ، الشرط الأول التوفيق الإلهي ، فهو تفضَل من الله و هبة أي عطاءٌ من دون مقابل ، نسأل الله أن يهبنا كمال الإنقطاع اليه ، الثاني : الحاجة الى الإرادة الصلبة و الفولاذية لتكسير قيود الشهوات و الشيطان و العادات الذي شب عليها البعض منا فصار عبدًا لها ، الشرط الثالث : العمل و الجد و السلوك و الفعل ، الإعتقاد بضرورة الإنقطاع لله لوحده دون العمل به لا ينفع ، جعل الله معيار الخروج من وحل الخسران مشروط بأمرين : وهو أن يجتمع الإيمان مع العمل ، ونحن في زمن العودة في شهر رمضان .

من بعد الإستفاقة و تحديد الهدف وهو الله ، والذي تحدثنا عنها في محاضرتين سابقتين ، اليوم نتحدث عن تحرير النفس ، كمال الإنقطاع هو التحرر الداخلي و الخارجي ، و كلنا نعلم بأن مثلث الهوية الذي يتركب منه الإنسان يحتاج الى تحرر ، الإنسان عقل و قلب وجسد ،
أول مواقع التحرر وقطع القيود المانعة من السير نحو الله ، هي حرية العقل ، العقل بحاجة أن يتحرر ، لكن مماذا يتحرر ؟ أول القيود للعقل هو الجهل ، و يجب التخلص منه ، لا يمكن أن نساوي بين الجاهل و العالم ، عن رسول الله ( ص ) " فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم " ، وعنه ( ص ) " يا علي ركعتان يصليهما العالم أفضل من سبعين ركعة يصليها العابد ". ، الجهل والعلم له مدخلية حتى في استحقاق الثواب ، و هذا العقل قد يكون مكبلًا بقيود الجهل فيتوجب علينا أن نتحرر من الجهل ، و لا حرية من الجهل الا بالعلم الذي هو نور ومصباح ، وعندما يهيمن الجهل على أمة ، فما أكثر خطاياها ، العلم نور لأنه يضيء مسيرة العبد . في رواية عن جابر " خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر فشجه في رأسه ثم احتلم فسأل أصحابه هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ قالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وآله أخبر بذلك فقال: (قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذا لم يعلموا، فإنما شفاء العي ( أي الجهل ) السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه، ثم يمسح عليه ويغسل سائر جسده " ، هذا العقل يجب أن نحرره لأن الجهل خطير واذا وُجد فإن فيه خطورة بالغة ، وقد تحدث النبي ( ص ) عن صورة من صور الجهل الخطير في آخر الزمان . روي عن النبي (ص)، أنه نظر إلى بعض الأطفال فقال: " ويل لأطفال آخر الزمان من آبائهم " فقيل: يا رسول الله، من آبائهم المشركين؟ فقال: " لا من آبائهم المؤمنين، لا يعلمونهم شيئا من الفرائض، وإذا تعلموا أولادهم منعوهم، ورضوا عنهم بعرض يسير من الدنيا، فأنا منهم برئ وهم مني براء ".

هذه صورة من صور الجهل الخطيرة ، أن نقدّم العلوم الدنيوية على العلوم الأخروية ، اذا تزاحم المهم و الأهم فالعقل يقول بتقديم الأهم . العلوم الأخروية منها علم التوحيد و تزكية الأنفس ( الأخلاق ) . يجب أن نتعلم وسائل تربية النفس و أن نتعلم علم الحلال و الحرام ، الفعل و الترك فرع معرفة الله ، وهذه علوم أخروية يساءل عنها العبد ، أما العلوم الأكاديمية فهي علوم دنيوية مستحبة مهمّة في قبال العلوم الواجبة . فكم نبذل من الأموال لتعليم أولادنا في المعاهد و المدراس الأكاديمية ، و كم نبذل لتعليمهم مسائل العقيدة و الصلاة و الأخلاق و الأخلاق ، كم نبذل من المتابعة النفسية و الحضور التربوي في الأول و كم نبذل في الثاني . كم خصصنا من النصح و الوعظ في توجيه أبناءنا في دراستهم الروحية ، نحن لا ننكر أهمية العلوم الدنيوية ولكن ندعو الى عدم الغفلة عن العلوم الأهم . و نحرر عقولنا من الخلل في تقييم الأولويات في ضروريات الدنيا و الأخرى . الأمر الثالث من دوافع تحرير العقل ودفع الجهل ، معرفة خطورة الجهل و قيمة العلم ، العلم وقود العقل و العقل وقود القلب ، وعن علي في بيان مكانة العالم و الجاهل " الجاهل صغير وإن كان شيخا، والعالم كبير وإن كان حدثا " ، لابد أن نتحرر من الجهل لأن العلم هو طريق بلوغ مراتب الكمال ، لا يكون ذلك الا بالعلم الذي يقابل الجهل ، عن علي ( ع ) " بالعلم يطاع الله ويعبد، وبالعلم يعرف الله ويوحد، وبالعلم توصل الأرحام، وبه يعرف الحلال والحرام، والعلم إمام العقل والعقل تابعه، يلهمه الله السعداء، ويحرمه الأشقياء."

العلم هو سلم الوصول لله ، وهذه النفس اذا كانت ميتة فلا يمكنها العروج ومن يحييها هو العلم ، عن الإمام علي (ع): "العلم محيي النفس، ومنير العقل، ومميت الجهل " وكل ذلك يدفعنا الى طلب العلم من أجل أن نحرر عقولنا من شبك الجهل . التحرر الثاني على مستوى القلب . فللقلب قيود خطرة متى ما تمكنت لتحوط بقلب الإنسان أهلكته ، و أول تلك القيود الغفلة ، اذا أصبح القلب غافلًا فويل لهذا القلب من غفلته ، عن الإمام علي (ع) : " ويل لمن غلبت عليه الغفلة، فنسي الرحلة ولم يستعد " ، من أكبر الخطأ المفهومي أن يتصور الإنسان أنه حط رحاله ، الدنيا سفرٌ منتهاها لقاء الله ، فمن أحط الرحال في الدنيا ..أخطأ ، يجب أن تكون مستعدًا دومًا للرحيل ، فهذه الدنيا ليست الوطن الأصيل ، انما ممرٌ ، لذلك ورد في دعاء أبي حمزة الثمالي " إرْحَمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا غُرْبَتِي " . الغفلة هي التي تحرف مسيرة الإنسان في الدنيا فينسى آخرته ، عنه (ع): " الغفلة ضلالة " ، وعنه ( ع ) " ضادوا الغفلة باليقظة " ، فلتضرب القلب باليقظة لتزول حالة الغفلة ، علينا أن نحرر القلب من الغفلة ، قد يكون القلب غافلًا اذا مات بسبب آثار الذنوب ، لأن ذنوب الجوارج تؤثر في القلب ، " إذَا أذنَبَ العَبْدُ نُكِتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَة سَوْدَاءُ " . عنه علي (ع): " التوبة تطهر القلوب وتغسل الذنوب " ، و عن رسول الله (ص): " التائب من الذنب كمن لا ذنب له " ، الذنوب و آثارها قيود ، ومن شرائط التحرر القلبي هو التوبة و التحرر و الإنابة مما تراكم على قلب الإنسان من سيئات و ذنوب ، هناك سلوك جميل في نصوص أهل البيت ، عن الإمام الصادق (ع): " من عمل سيئة في السر فليعمل حسنة في السر، ومن عمل سيئة في العلانية فليعمل حسنة في العلانية " ، فهذا من الأساليب التي توازن و تصحح وتعالج الخلل الروحي .

القيد الثالث من قيود القلب هو القسوة ، و القسوة بلاءٌ ، واذا قسى قلب العبد ، لا يتحرر عاطفيًا في الصلاة و لا يتذوق حلاوة المناجاة ، ولا ينكسر قلبه في حالة الجنائز و الوفاة ، لا تسمح لقلبك أن يقسو والا سوف تموت ، القلب القاسي كالصخر الميت الذي لا تنبت فيه الحسنة و لا الطاعة ولا العبادة ، فعلينا أن نكسر القسوة بمِعول الرقة واللطف ، عن الباقر ( ع ) في معالجة لازالة حالة القسوة " تعرض لرقة القلب بكثرة الذكر في الخلوات " اكثر في خلوة من التضرع لله و المناجاة ، من وصايا الإمام علي أيضًا " أحي قلبك بالموعظة، وأمته بالزهادة، وقوه باليقين، ونوره بالحكمة، وذلله بذكر الموت، وقرره بالفناء، وبصره فجائع الدنيا " . ما أحوجنا الى كسر قيد القسوة . النبي ( ص ) أعطى سلوكًا عمليًا من أجل اعادة وهج القلب ، روي إن رجلا شكا إلى النبي (ص) قساوة قلبه، فقال: " إذا أردت أن يلين قلبك فأطعم المسكين وامسح رأس اليتيم " . القسم الثالث تحرير الجوارح و البدن من القيود ، هذه الجوارح قد تكون مقيدة بعادات سلبية شبّ عليها الإنسان و هو يحسب أنه عاجزٌ من الرجوع عنها . وهذه مشكلة يجب أن يتحرر منها الإنسان ، جوارح الإنسان يجب أن تستقيم و هذا الشهر الفضيل فرصة لذلك ، عنه (ص): " يقول الله عز وجل من لم تصم جوارحه عن محارمي فلا حاجة لي في أن يدع طعامه وشرابه من أجلي " ، اذن نحن بحاجة أن نكف تلك الجوارح عن تلك المعاصي ، و الإمام زين العابدين (ع) - كان من دعائه إذا دخل شهر رمضان -: وأعنا على صيامه بكف الجوارح عن معاصيك، واستعمالها فيه بما يرضيك، حتى لا نصغي بأسماعنا إلى لغو ولا نسرع بأبصارنا إلى لهو، وحتى لا نبسط أيدينا إلى محظور، ولا نخطو بأقدامنا إلى محجور، وحتى لا تعي بطوننا الا ما أحللت، ولا تنطق ألسنتنا إلا بما مثلت، ولا نتكلف الا ما يدني من ثوابك، ولا نتعاطى الا الذي يقي من عقابك " .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع