واصل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك في ليلة الثاني عشر من شهر رمضان المبارك لعام 1442 هـ ، وتحت عنوان " خطوات - اعرف ربك " ، بدأ سماحته بمقطع من خطبة للإمام علي ( ع ) " أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده " ، السير الى الله عز وجل له شروطٌ و ضوابط ، من أهم شرائط السير نحو الله ، أن يُحدد السائر هدفًا محددًا ، و هدف السير الروحي واحد وهو الله سبحانه وتعالى ، الكدح الروحي و المسيرة المعنوية نحو هدف محدد وهو الله ، والله تعالى عندما يجد في نية عبده الإخلاص ، يعينه على تلك المسيرة ، فلست أيها العبد أكرم من الله ، الوصول الى مراتب ومدارج الكمال عند الله يحتاج الى شروط ، و شرط السير نحو تلك المدارج أن يعرف العبدُ ربّه ، على اعتبار أن السير سيران ، سيرٌ ماديٌ خارجي ، و سيرٌ باطنيٌّ معنويٌّ ، السير الخارجي و الإنتقال من نقطة الى اخرى يحتاج الى وسيلة كالباخرة و الطائرة و السيارة ، أما السير المعنوي فيحتاج الى وسيلة أخرى ، و من أهم تلك الوسائل : القلب العارف بالله ، أما القلب الجاهل فانه لا يصل الى مراتب القرب اليه ، معرفة الله شرط أساسي في مسيرتنا الروحية .
تشتد عزيمتنا وتقوى ارادتنا نحو البحث عن معرفة عقدية صُلبة من خلال النصوص الكثيرة التي وردت عنهم عليهم السلام ، و أول نلك النصوص التي تعبر عن معرفة الله التي ابتدأنا بها المجلس ، و هي أساس الدين ، وهذه كلمة صريحة للإمام علي ( ع ) ، المسيرة السلوكية من دون معرفة غرور وضياع ، وعبر عنها الإمام علي بأنها صورة من صور البهيمية ، حيث قال : " المتعبد على غير فقه كحمار الطاحونة يدور ولا يبرح " . تكون العبادة ارتقاءّ الى سلالم القرب الى الله بعد معرفته عز وجل ، الدين يرتكز على معرفة الله ، المتدينون الذين يمارسون الطقوس العبادية من دون معرفة عقدية بحاجة ضرورية الى مراجعة أنفسهم ، و تكون عبادتهم جوفاء و على قالب شكلي . الأصل في القلب خلو من النور و الضياء لكن من الممكن أن يكون قلب العبد مظلمًا ومن الممكن أن يكون مشرقًا نيرًا ، وكما ورد في الرواية معيار النور هو معرفة الله ، كلما اشتدت معرفتك كان قلبك نوريًا و مؤهلًا للعروج الى مراتب القرب من الله ، وفي رواية للإمام الباقر أنه جعل معرفة الله معيارًا لقبول الأعمال ، فالأعمال تنقسم الى قسمين توصلية و تعبدية ، العبادات التوصلية أوامر لكن النية شرط كمال فيها ومدخلية للثواب ، أما التعبدية فروحها و قلبها النية كالصلاة ، عن الصادق ( ع ) ": لا يقبل الله عز وجل عملا إلا بمعرفة، ولا معرفة إلا بعمل، فمن عرف دلته المعرفة على العمل، ومن لم يعمل فلا معرفة له، إن الايمان بعضه من بعض " .
رواية أخرى تجعل من معرفة الله معيارًا للصلاح ، عن الصادق ( ع ) " قال: إنكم لا تكونون صالحين حتى تعرفوا ولا تعرفون حتى تصدقوا " ، الرواية اخرى جعلت من معرفة الله تعالى رأسًا للعلم ، عن ابن عباس: جاء أعرابي إلى النبي (ص) فقال: يا رسول الله، علمني من غرائب العلم. قال: ما صنعت في رأس العلم حتى تسأل عن غرائبه؟! قال الرجل: ما رأس العلم يا رسول الله؟ قال: معرفة الله حق معرفته. قال الأعرابي: وما معرفة الله حق معرفته؟ قال: تعرفه بلا مثل ولا شبه ولا ند، وأنه واحد أحد ظاهر باطن أول آخر، لا كفو له ولا نظير، فذلك حق معرفته. نلاحظ أن النصوص تؤكد على أهمية معرفة الله عز وجل ، السير الروحي والعقدي يتوقف على المعرفة الإلهية ، نقطة جوهرية في البحث حول الإنسان و معرفة الله ، نجد الناس ينقسمون لثلاثة أصناف ، الصنف الأول : المنكرون لوجود الله ( الملاحدة و الزنادقة ) ، الصنف الثاني : المترددون وهم من لم يثبتوا وجوده و لم ينكرون وجوده ، فعجزوا عن الأمرين ، الصنف الثالث هم : الموحدون وهم يؤمنون بوجود الله .
عندما نتحدث عن مستويات المعرفة الالهية عند الموحدون ، فانها تمر بثلاث مستويات أساسية ، المستوى الأول : المعرفة التقليدية ، المستوى الثاني : المعرفة العقلية ، المستوى الثالث : المعرفة القلبية ، فأين تقف أنت ؟ الله يعيب المعرفة التقليدية ، ولدت مقلدًا ولكن يجب أن تنتهي المعرفة التقليدية الى المعرفة العقلية بعدها ، و أن تخرج من كونك مقلدًا الى كونك عارفًا بالأدلة والبراهين على اثبات وجود الله ونفي الشريك ، و اثبات صفات الجمال و الجلال لله ، و نفي كل نقص عن الله ، لا لأن أباك قال ، بل لأنك تملك الدليل . و معرفة الله عقلًا واجبة شرعًا ، يتفق جميع علماؤنا الا القليل أن معرفة الله و أصول الدين واجبة بالدليل لا تقليد فيها ، ولو بمطالعة الكتب وحضور المحاضرات العقدية التي تطور مساحة معرفتك بالعقيدة ، ثم المعرفة الثالثة وهي المعرفة القلبية و موسم شهر رمضان محطة للإنطلاق الروحي ، و لا انطلاق من دون معرفة .
التعليقات (0)