شارك هذا الموضوع

الصفا ليلة الحادي عشر من شهر رمضان لعام 1442هـ

واصل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك في ليلة الحادي عشر من شهر رمضان المبارك لعام 1442 هـ ، وتحت عنوان " خطوات - أيقظ قلبك " ، بدأ سماحته بالآية المباركة من سورة الحديد " ۞ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)" آيات كثيرة تحدثت حول فلسفة وجود الإنسان ، ولا شك أن المؤمن بوجود الله عز وجل ، يعتقد بوجود هدفيةٍ لهذا الخلق ، لو كان الخالقُ الصانعُ خلقَ الخلق من دون غاية للزم من ذلك العبث ، و العبث لا ينسجم مع الحكيم ، الله القادر و العالم و الحكيم ، مقتضى حكمته أن يكون الغرض من خلقنا غاية محددة ، غاية يسير الناس نحوها ، من سورة الذاريات " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) " مسيرة الإنسان في هذا الوجود لها نهاية وهو ملاقاة الله عز وجل ، وهناك مبدأ ومنتهى . الا أن مسيرة الإنسان في هذا الوجود قد تعترضها المعوّقات ، و ان من أخطر المعوقات في هذه الدنيا هي الغفلة ، عندما يُبتلى الإنسان بالغفلة تنحرف مسيرة العودة لله ، و يتمرد الشيطان عليه ، فيرتع به في متاهات معصية الله ، و ينسى الموت فلا يصحح وضعه مع الله ، الغفلة بلاء يجعل من الإنسان يعيش في الدنيا من دون هدف ، الذين تُهيمن عليهم الغفلة يعيشون من دون هدف و غاية ، أمثال هؤلاء هم حطبُ جهنّم ، لأن الغافل غفلته في عالم القلب ، و اذا غفل القلب غفلت سائر الجوارح ، القلب الغافل لا يُبصر و لا يسمع و لا يعقل ، من سورة الأعراف " وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) " ، و النتيجة أن حالهم حال البهائم ، و يعبر عنها القرآن بالحياة الحيوانية ، من سورة محمد " وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ (12) " لأنهم يعيشون تحت وطأة الغفلة

السير نحو الله عز وجل و حديثنا حتى الختام في سلسلة أخلاقية وهي خطوات العودة الى الله ، و أول تلك الخطوات اليقظة و الإفاقة ، لا يمكن أن يعالج الإنسان داءه و يُجبر كسره ما دام غافلًا فهو في ضياع وخسارة ، شهر رمضان و الحج و ليالي الجمعة من المحطات الروحية التي توقظ القلوب من سباتها فما أحوجنا الى محطات للإستفاقة ، الموقظات من الغفلة على نوعين ، موقظات قهرية و اختيارية ، أول الموقظات القهرية التي ترفع حجاب الغفلة هو الموت ، وهذه مصيبة عظمى عندما يستفيق الإنسان و تُرفع عنه حجب الغفلة بالموت ، لأن هذا أبصر الحقيقة فانكشف عنه غطائه ويكون بصره حديدًا ، وكان بالأمس غافل فلا مجال للعودة ، من سورة ق " لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)" ، الموقظ الثاني القهري هو البلاء ، فالبلاء مشيئته الهية وليست بشرية ، البلاء راجع لارادة الله ، و البلاء ثلاثة أنواع ، بلاء رافع ، و بلاء واضع ، و بلاءٌ دافع ، بلاءات الأنبياء الوصيين هي بلاءات رافعة ، أما هامان و نمرود و المتمردون على الله ، فبلاؤهم واضع ، أما المؤمنون من لهم مخازٍ ومعاصٍ ، يبتليهم الله ليدفعهم عما هم عليه من المخازي ، و يفيقهم من غفلتهم و يُرجعهم للاستقامة ، من سورة الأنعام " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42)" ، الله يروعنا بالبلاء الدافع ليرجعنا لجادة الإستقامة ، و حتى هذا الوباء ، ينبغي أن لا ننظر اليه نظرة سوداوية ، فمستوى الحاجة لله يتضاعف ، و الشعور بالإفتقار و المسكنة عند العباد التي تجعلهم يلوذون بالله تتأكد ، يفيق الله بالبلاء غفلة الإنسان ليعود اليه .

حديثنا ليس حول الموقظات القهرية بل حول الموقظات الإختيارية ، أول الموقظات الإختيارية هو الضمير ، وهذا الضمير هو ما يسمّى بالوجدان ، وهو قدرة الإنسان على التمييز بين الحق و الباطل ، بين الخير و الشر ، يتغذى الضمير من القيم و المبادئ التي تقوم على معرفة الصواب و الخطأ ، فيكون للانسان معاييرًا داخلية و يكون الحاكم فيها هو ضميره ، توجد عندنا ثلاثة محاكم ، محكمة دنيوية ، و محكمة أخروية ، و محكمة باطنية ، من سورة القيامة " لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) " يوم القيامة هي المحكمة الأخروية ، و النفس اللوامة هي محكمة الضمير ، وهي محكمة موجعة ، تجعل من الإنسان لا يهتنئ لا بطعام و لا شراب ولا نوم ، توبّخه فتحركه للإنابة و التوبة ، التوبة لله و الإعتذار للناس وارجاع مظالم العباد ، ولهذا عرّفوا الضمير أنه سُلطة في نفس الإنسان و يمثل معيار النزاهة في الفرد . أصحاب الضمائر اليقظة و الحية يُنجزون باخلاصٍ لأن النزاهة تُلازم وجود الضمير ، هناك من يبيع ضمائره للشيطان أو للطغاة أو للظلمة فأولئك أصحاب ضمائر ميتة تحتاج الى ايقاظ . وعليه نسأل ما حال ضمائرنا ؟ أحية هي أم ميتة ؟ وان كانت حية فما نسبة الحياة فيها ؟ ، الموقظ الثاني الأنبياء و الأوصياء ، تحدث الله عن قريش في سورة الجمعة أنهم كانوا في ضلال فأيقظهم الله بالنبي ( ص ) " هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (2)" أرسل الله الأنبياء بالشرائع و الأحكام بغرض ايقاظ القلوب الغافلة من سباتها ، فلا تتحرك القلوب الى الله ان كان الإنسان في غفلة ، من سورة الغاشية " فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ (21) لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ (22)" ، من الموقظات ايضًا حوادث الدنيا ، سيتأمل البصير ان في هذه الدنيا موقظات ، الموت المستمر للأحبة يوقظ الغفلة في قلب الإنسان ، فيقول الشاعر : " اذا حملت الى القبور جنازة : فاعلم بانك بعدها محمول " ، و يقول الإمام علي " السعيد من وُعظ بغيره فاتعظ " .

الموقظ الثالث من محققات خطوات العروج الى الله : وهج الصالحين ، العلماء الربانيون و المؤمنون المخلصون ، أمثال هؤلاء لهم بركاته تؤثر في الإنسان الغافل فيفيق ،الصديق الصالح يعين على الصلاح ، و اذا غفل صاحبه أيقظه من غفلته ، وما احوجنا لمن يوقظنا من غفلتنا بموعظته ، المجالس الروحانية التي بها وعظٌ و صلاح يحضرها المؤمنون توقظ القلوب ، و العكس بالعكس ، من دعاء أبي حمزة " لَعَلَّكَ فَقَدْتَنِي مِنْ مَجالِسِ العُلَماءِ فَخَذَلْتَنِي ، أَوْ لَعَلَّكَ رَأَيْتَنِي فِي الغافِلِينَ فَمِنْ رَحْمَتِكَ آيَسْتَنِي ، أَوْ لَعَلَّكَ رَأَيْتَنِي آلِفُ مَجالِسَ البَطَّالِينَ فَبَيْنِي وَبَيْنَهُمْ خَلَّيْتَنِي " . المفيق الخامس : الرسائل الربانية ، يحب الله عباده مهما كانت ذنوبهم ، يجب أن لا نُدخل اليأس في قلوب الناس و ان كانوا من أعصى العصاة و أشد المذنبين ، فرحمة الله تسبق غضبه ، يرسل الله لهم ما يوقظ ضمائهم في الرؤى او النوم أو غير ذلك ، وفي ذلك قصص كثيرة منها قصة مالك بن دينار الذي كان سكيرًا .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع