شارك هذا الموضوع

الصفا ليلة العاشر من شهر رمضان لعام 1442هـ

واصل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك في ليلة العاشر من شهر رمضان المبارك لعام 1442 هـ ، وتحت عنوان " المرجعية والوصايا الزوجية " ، وقد بدأ سماحته بحديث عن رسول الله ( ص ) " أيما شاب تزوج في حداثة سنه عج شيطانه يا ويله عصم مني دينه " روايات كثيرة وردت على لسان رسول الله ( ص ) و أهل بيته ( ع ) تؤكد وتحث على التزوج المبكر ، و تدفع بالشباب و الشابات نحو المبادرة الحثيثة للزواج مبكرًا ، فيضج الشيطان و يصرخ و يغضب عندما يبكر الشاب في اتخاذ زوجة وحليلة له ، و تذكر لذلك ثمرات و آثار مباركة ، والمرجعية الدينية المتمثلة في سماحة السيد أكد على الشباب ضرورة التبكير في الزواج و تأسيس الأسرة و الإنجاب أيضًا ، فيقول سماحته : " الاهتمام بتكوين الأسرة بالزواج و الإنجاب من دون تأخير، فإنّ ذلك أنسٌ للإنسان ومتعة " .أول تلك الآثار أن الزواج يولد حالة الأنس و السكن ، ، قد قال الله تعالى في سورة الروم " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) " فجاء التأكيد ان الزوجة سكن لزوجها ، والزوج سكن لزوجته و النفس تستقر بالزواج ، مرحلة الشباب هي مرحلة هيجان الغرائز و القوة ، فما أحوج الشاب الى الإستقرار ، و الشريك هو سبب للأنس و للسكن .

الزواج يحقق المتعة المحللة ، أودع الله تعالى غريزة شهوانية في الإنسان ، ولا تحتاج الى تعلم أو تكسب ، فهي مسألة فطرية مودعة في الإنسان ، الغريزة الجنسية تمر بمرحلتين ، مرحلة القوة و مرحلة الفعل ، مرحلة الكمون و الضمور ، ومرحلة الخروج و الظهور ، الطفل ليس له ميل جنسي ولا غرائزي لكنه اذا وصل الى مرحلة البلوغ تخرج الغريزة الجنسية من عالم الكمون الى عالم الفعل و الظهور ، وهنا تكون حاجة ملحة ، حاجة الغريزة الجنسية ليست كحاجة الأكل و الشرب ، فهي ان لم تُلبى لا توصل الإنسان للموت ، نعم يعيش الإنسان الحرمان و مكافحة الشيطان والدخول في صراع مع ابليس و أعوانه لكنه لا يموت ، أوجد الله الغريزة في الجنسين ، و لهما حق الإستمتاع في مساحات معينة . فهناك مراحل وفترات تحرم المرأة على زوجها من حيض أو نسك حج أو نهار شهر رمضان ، فهذه متعة أحلها الله و أعطى عليها الثواب . الأثر الثاني : الزواج دافع من دوافع العمل و الكدّ ، فيقول سماحته " وباعثٌ على الجدّ في العمل، وموجبٌ للوقار والشعور بالمسؤولية، واستثمارٌ للطاقات ليوم الحاجة " . الفرد لما تنعدم عليه المسؤولية لا ينهض بهمة ، لكن عندما يتزوج يفكر الرجل في جوعة عياله و حاجات زوجته ، المؤمن يأكل بشهوة أهله و الكافر يأكل بشهوته وحده ، المؤمن فيه رحمة تتدفق من ذاته الى عياله ، فعندما يتزوج المرء ويُكوّن أسرة في وقت أبكر ، انبعث فيه روح العمل و المثابرة وكسر طوق الكسل لما ذلك من التزامات و مسؤولية . البعض يخاف من الإبتلاء بالفقر و الحاجة ، ولكن رسول الله (ص) قال : " اتخذوا الأهل فإنه أرزق لكم " اما بالسبب الطبيعي كمبادرتك بالعمل ، واما بسبب غيبي فيفيض الله الرزق عليك و يبارك في مالك و عيالك ، الله يبعث عياله نحو التزويج . ولذلك يحذر الإمام الصادق ( ع ) من ترك التزويج من أجل الرزق " من ترك التزويج مخافة الفقر فقد أساء الظن بالله عزوجل " ، إن الله عزوجل يقول : " إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله " .

الزواج يقي الإنسان من الوقوع في المحرمات ، والشهوات تتمرد على صاحبها فتحتاج الى عقل يُحكم مسيرتها ، فالزواج والتبكير فيه مطلوب ، كي يحول المرء بين نفسه وبين أن يتهاوى في شهواته ، من علامات الإيمان أنه عفيف الفرج ، من سورة المؤمنون " وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) " ، و يحذر الله عز وجل من اتخاذ وسيلة غير الزواج حيث أن ملك اليمين لم يعد موجودًا في زماننا هذا ، " فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)" فالزنا والشذوذ و العادة السرية يعدّ من العدوان . الشارع الشريف أكد على خطورة الإنحراف عن الخطوط الإيجابية و ترك المنهج القويم ، المجتمع المسلم مُدان بطاعة الله ، فالقضاء على شهواتنا وغرائزنا ليس الأمر راجع الينا ، بل كما قننه الشارع ، الشارع الإلحادي تجد فيه الزنا في الشوارع ، وتنتشر الدعارة هنا وهناك ، وتوجد عقود قانونية في السحاق ( زواج المرأة من المرأة ) و اللواط ( زواج الرجل من الرجل ) و صار -ذلك- حقًا يُلتزم بها قانونًا وهذه مجتمعات بعيدة عن الله ، فطاعتك لله تملي عليك أن تمتثل لأمره ، كما حرم الإسلام أكل بعض الأشياء وحلل بعض ، كذلك الشهوة الجنسية ، الإستمتاعات الجنسية المحرمة تذهب الرزق والخير و البركة و يقع صاحبها تحت وطأة الفقر ، عن رسول الله ( ص) : " إذا كثر الزنا كثر موت الفجأة " وهذا لا يعني أن من يموت يكون هو السبب بل رضا المجتمع عما يحدث فيه يكون سببٌ في ذلك . عن الصادق ( ع ) : " اذا فشا الزنا ظهرت الزلازل " . المجتمع المؤمن يجب أن يكون مجتمعًا محافظا تقيًا .

ثم انعطف سماحته في وصيته في التزويج ليذكر صفات الشريك ، فبيّن في وصيته الصفات اللازمة لاختيار شريك الحياة ، وأول صفة هي التديّن ، وهي ليست بدعة من عنده بل ما جاءت فيه النصوص عن النبي و آل البيت ، وهي القاعدة الأساس لاختيار شريك الحياة ، فالجمال و النسب يأتي بعد القاعدة الأساسية ، لا يعني ذلك أن لا تبحث عن زوج جميل أو زوجة جميلة ، و لكن قبل كل شيء لابد أن يكون التدين أولًا . جاء رجل إلى الحسن (ع) يستشيره في تزويج ابنته؟ فقال: زوجها من رجل تقي، فإنه إن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها " ، هناك مودة و رحمة بين الزوجين ، اذا كثر الخلاف بين الزوجين و انعدم الإنسجام ، تسقط المودة والمحبة والعطاء و التضحية ، و لكن ينبغي أن لا تسقط الرحمة لأنها تستند لقاعدة التدين و الإيمان ، الرحمة حتى على الزوجة العاصية و الزوج الظالم . اذا انسلخ المرء عن دينه و عن اسلامه بوسعه ان يتجرّد عن الرحمة و يُمعن في أذية شريكه فهو خلو عن الدين ، و ما هو الا دين صوري يدّعيه . الأمر الثاني المطلوب في الشريك هو حسن الخلق ، اذا سألتم عن المرء فاسألوا عن دينه و أخلاقه . الصفة الثالثة هي حسن المنبت ، فيؤكد سماحة السيد في وصيته " وليهتم أحدكم بخلق من يتزوجها ودينها ومنبتها ولا يبالغن في الاهتمام بالجمال والمظهر والوظيفة فإنّه اغترار سرعان ما ينكشف عنه الغطاء عند ما تفصح له الحياة عن جدّها واختباراتها، وقد ورد في الحديث التحذير من الزواج بالمرأة لمحض جمالها، وليعلم أنّ من تزوّج امرأة لدينها وخلقها بورك له فيها " . الأمر الرابع : الإعتناء بالجمال ولكن عدم المبالغة فيه ، فلن تتزوج ما دمت تريد أجمل نساء الدنيا وان حصلت عليها فقد تولد امرأة أجمل منها بعد حين ، فلن تستقر لك حياتك .

لا تلهث حول الجمال ، فجمال المُحيى يتغير ، ولن تقف عند حد ما فليس ذلك معيارًا . والجسد متغيرٌ و ليس ثابتًا ، لابد للبشرة الناعمة أن تتجعد ، ولابد للعين الحادة أن تضعف ، و للشعر الأسود أن يبيض ، و للظهر الصلب أن يحدودب ، فهذا قانون الله ، انظر الى أبيك وجدك فستراه مسنًا ، اعلم بأنه كان في زمان سابق متفتق العضلات كما كنت أنت ولعله أشد و أقوى ، فشباب اليوم شيوخ الغد ، و شيوخ اليوم هم شباب الأمس . فهل تريد لزوجتك أن تكون جميلة للأبد ؟ الجمال الباقي هو جمال الآخرة و جمال الدنيا في معرض الزوال و التغيّر . المرجعية تؤكد على الإعتناء بالجميل لكن لا تغالي و تبالغ . الأمر الخامس : رجاحة العقل ، عن رسول الله " إياكم وتزويج الحمقاء فإن صحبتها بلاء، وولدها ضياع " ، لهذا يجب أن تبحث عن رجاحة العقل . بعد ذلك قدم سماحته وصايا للبنات و لأولياء امورهم وحذر من تقديم العمل على الزواج " ولتحذر الفتيات وأولياؤهن من ترجيح الوظائف على تكوين الأسرة والاهتمام بها، فإنّ الزواج سنّة أكيدة في الحياة، والوظيفة أشبه بالنوافل والمتمّمات، وليس من الحكمة ترك تلك لهذه، ومن غفل عن هذا المعنى في ريعان شبابه ندم عليها عن قريب حين لا تنفعه الندامة، وفي تجارب الحياة شواهد على ذلك. " ، وحذر سماحته من الإستغلال السلبي في الولاية و أن يمنع بنته من الزوج و أن يختار ما يريد و ووضع العراقيل العرفية من مهر مبالغ و ضيافة عظمى ، فالشرع سهل الزواج . " ولا يحلّ لأوليائهنّ عضلهن عن الزواج أو وضع العراقيل أمامه بالأعراف التي لم يلزم الله بها مثل المغالاة في المهور والانتظار لبني الأعمام أو السادات، فإنّ في ذلك مفاسد عظيمة لا يطلعون عليها، وليعلم أنّ الله سبحانه لم يجعل الولاية للآباء على البنات إلاّ للنصح لهن والحرص على صلاحهن و من حبس امرأة لغير صلاحها فقد باء بإثمٍ دائم ٍ ما دامت تعاني من آثار صنيعه وفتح على نفسه بذلك باباً من أبواب النيران. " لذا علينا أن نراعي حدود الله و أن نجعل من حياة السيدة خديجة مع رسول الله قدوة لنا في ذلك .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع