شارك هذا الموضوع

الصفا ليلة التاسع من شهر رمضان لعام 1442هـ

واصل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك في ليلة التاسع من شهر رمضان المبارك لعام 1442 هـ ، وتحت عنوان " المرجعية والوصايا المعرفية " ، ابتدأ سماحته بحديث للإمام جعفرُ بن محمد الصَّادق ( ع ) : " لَوَدِدْتُ أَنَّ أَصْحَابِي ضُرِبَتْ رُؤوسُهُمْ بِالسِّيَاطِ حَتَّى يَتَفَقَّهُوا "بالسياط حتى يتفقهوا في الدين " ، الإمام في هذا النص تحديدًا وهو الإمام الشفيق على شيعته ، يقف وقفة صلبة لا تراجع فيها أن يضربوا على أكرم مواضعهم وهي الرؤوس حتى يتفقهوا . المرجعية الدينية اليوم سارت على مثل هذا النهج ، واكمالًا لوصايا السيد السيستاني التي خاطب بها الشباب خاصة و المؤمنين عامة ، الوصية الثامنة هي محط حديثنا الليلة ، فنتحدث حول اكتساب العلم و المعارف ، وهنا لابد أن نتوقف مع نقطة علمية مهمة ، يجب أن نفرّق بين التفقه بالمعنى الأعم و التفقه بالمعنى الأخص ، الأخص هو مسائل الحلال والحرام ، فكلنا مكلفون ومقلدون ، فكل مقلد يرجع الى فقيهه ، أما التفقه بالمعنى الأعم هو تكوين حصيلة معرفية عن الدين في مختلف مجالاته ، فجاء التأكيد و الحث على ذلك من قبل سماحته " أن يتحلّى المرء بروح التعلّم وهمّ الازدياد من الحكمة والمعرفة في جميع مراحل حياته ومختلف أحواله" و أشار الى ثلاث أمور مهمة .

الأولى التأسيس العلمي ويقابل العلم الجهل ، اما أن يختار الإنسان الجهل أو يختار العلم ، ثانيًا التزود ، ثالثا : ان تحصيل المعارف ليس له زمن خاص ، نحن اليوم نعيش حربًا أيدلوجية على مستوى اختطاف العقول و القلوب ، حرب بالأفلام و المسلسلات ووسائل التواصل الإجتماعي فتختطف العقول وهذا يقتضي أن نُكون مناعة معرفية راسخة قادرة على التحدي أمام تلك الموجات المدمرة ، فجاء التأكيد على العلم ، عن علي ( ع ) " تعلموا العلم فإن تعلمه حسنة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وهو أنيس في الوحشة، وصاحب في الوحدة، وسلاح على الأعداء، و زين الأخلاء، يرفع الله به أقواما يجعلهم في الخير أئمة يقتدى بهم، ترمق أعمالهم، وتقتبس آثارهم " ، وكان (ع) يقول: " لو علم الناس ما في طلب العلم، لطلبوه ولو بسفك المُهَج وخوض اللُّجَج " . النقطة الثانية : التأكيد على تحلي المرء بروح التعلم ، هذه الروحة طريقة دافعة نحو تكسّب المعارف ، وقال (ص): " من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبدا " . اليوم أصبح العلم وسيلة وليس غاية ، نحن ندعو أن يطلب العلم لنفسه لا أن يطلبه - كما يتصور البعض - من أجل الوظيفة و الراتب و الموقع المرموق .

الوصية الثانية التأكيد على التحلي بروح الإزدياد في طلب العلم ، الإزدياد أي أنّ طلب العلم ليس له حد ، وفوق كل ذي علم عليم ، هناك درجات في العلم ، عن رسول الله ( ص ) : "لا يزال المرء عالما ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل " ، جاءت الوصايا لتؤكد على الإزدياد في طلب العلم ، وهنا نذكر قصة عنوان البصري مع الإمام الصادق وقد كان عنوان في التسعين من عمره لكنه لم يكتف من طلب العلم و الإلحاح على الإمام الصادق بتعليمه . النقطة الثالثة : " فلا يستغني المرء فيها عن التزود من العلم والمعرفة والخبرة حتّى يلقى الله سبحانه " ، التأكيد على طلب العلم حتى لقاء الله ، عن الإمام علي (ع): " من جاءته منيته وهو يطلب العلم فبينه وبين الأنبياء درجة " ، التاريخ يحدثنا حول عدة شخصيات في طلب العلم مثل الخوارزمي . بعد التعلم لابد أن ننعطف على الثمرات المهمة " أخذ العظات و العبر وما أحوج الإنسان أن يطلع الى آثار العلماء و أن يتدارس المعلم فيأخذ المعرفة ويعمل بالعلم ، عنه ( ع ) : " من اعتبر أبصر، ومن أبصر فهم، ومن فهم علم " ، وعنه ( ع ) " وإن لكم في القرون السالفة لعبرة. أين العمالقة وأبناء العمالقة. أين الفراعنة وأبناء الفراعنة. أين أصحاب مدائن الرس الذين قتلوا النبيين وأطفأوا سنن المرسلين. وأحيوا سنن الجبارين وأين الذين ساروا بالجيوش وهزموا الألوف. وعسكروا العساكر ومدنوا المدائن " فان السننة الكونية تعيد نفسها و الإنسان يعتبر . الثمرة الأخرى الإستغناء عن التجارب ، " وكلّما كان المرء أكثر تبصّراً أغناه ذلك في معرفة الحقائق عن مزيد من التجارب والأخطاء. " التجربة ضرورة في بعض حالاتها ، و لكنها تستهلك حياة وطاقة الإنسان حتى يصل الى النتيجة ، فيحتاج من العمر و الوسع و الطاقة الكثير ، و المعرفة يجب أن لا تبدأ من حيث ابتدأ الآخرين ، بل البدأ من حيث انتهوا ، فمن لا يملك البصيرة ولم يقرأ سيعود الى نقطة الصفر . عنه ( ع ) : " العقل حفظ التجارب " و " حفظ التجارب رأس العقل " . معرفة قيمة العلم ، علينا أن نعرف قيمة العلم ، وقد قال تعالى: " وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً"، وقال لنبيّه (ص): (وقل ربّ زدني علماً).

ثم أوصى سماحته بمطالعة ثلاثة انواع من الكتب : " وينبغي للمرء أن يأنس بكتبٍ ثلاثة يتزوّد منها بالتأمّل والتفكير :أوّلها وأولاها : القرآن الكريم فهو آخر رسالة من الله سبحانه إلى خلقه وقد أرسلها إليهم ليثير دفائن العقول ويفجّر من خلالها ينابيع الحكمة، ويليّن بها قساوة القلوب، وقد بيّن فيها الحوادث ضرباً للأمثال، فعلى المرء أن لا يترك تلاوة هذا الكتاب على نفسه، يُشعرها أنّه يستمع إلى خطاب الله سبحانه له، فإنّه تعالى أنزل كتابه رسالة منه إلى جميع العالمين " . فهو المصدر الأساس للعبر و الأمثلة التي يتعلّم منها الدروس ، من سورة الكهف " وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54) " فهو كتاب تشريع و تأريخ و يعطي العبرة و يؤسس للسنن الكونية و التاريخية . الكتاب الثاني الذي أكد سماحته على ملازمته فهو نهج البلاغة و هو الثقل الثاني : " وثانيها : نهج البلاغة فإنّه على العموم تبيين لمضامين القرآن وإشاراته بأسلوب بليغ يُحفّز في المرء روح التأمل والتفكير والاتّعاظ والحكمة. فلا ينبغي للمرء أن يترك مطالعته كلّما وجد فراغاً أو فرصة، وليشعر نفسه بأنّه ممّن يخطب فيهم الإمام (ع) كما يتمنّاه، وليهتمّ برسالته (ع إلى ابنه الحسن (ع) فإنّها جائت لمثل هذه الغاية. " و الكتاب الثالث الصحيفة السجادية : " وثالثها : الصحيفة السجّادية فإنّها تتضمّن أدعية بليغة تستمدّ مضامينها من القرآن الكريم وفيها تعليم لما ينبغي أن يكون عليه الإنسان من توجّهات وهواجس ورؤى وطموح، وبيان لكيفيّة محاسبته لنفسه ونقده لها ومكاشفتها بخباياها وأسرارها، ولا سيّما دعاء مكارم الأخلاق منها. " .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع