شارك هذا الموضوع

الصفا ليلة السابع من شهر رمضان لعام 1442هـ

واصل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك في ليلة السابع من شهر رمضان المبارك لعام 1442 هـ ، وتحت عنوان " المرجعية والوصايا العقائدية " ، ابتدأ سماحته بحديث عن الإمام الحسين ( ع ) " مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه " روايات كثيرة وردت على لسان رسول الله ( ص ) و على ألسنة المعصومين ( ع ) ، تبين خطورة موقعية المرجعية الدينية في الأمة ، فالعلماء الربانيون الذين قال فيهم ( ص ) : " الفقهاء أمناء الرسل "، وهذه اشارة للموقعية الخطيرة التي يشغلها العالم الرباني و الفقيه و المرجع ، المرجعية الدينية تمثل موقعا أساسيا وخطيرًا في قلب الأمة ، واليوم تمثل الجهة المؤتمنة على دين الله ، وهي الدرع الحصين للحفاظ على حصون هذه الأمة الإسلامية ، فتلوذ الأمة بها في الشدائد و النكبات و المهمات ، و تأخذ بما أوتيت من ولاية من الامام الحجة دورها الذي أراده الله ، و هي سند المؤمنين في كل مكان ، اذ أن لها ارتباط عقائدي ديني ، و الدين لا يُحد بحدود جغرافية ولا سياسية ، فللمرجع ولاية على المؤمنين في الشرق و الغرب ، فلا اعتبار للحدود الجغرافية الوضعية والسياسية في ذلك . ولهذا لهم ولاية بغض النظر بحدود الولاية ، هناك من يرى بولاية الفقيه المطلقة ، وهناك من يرى الولاية فيالأمور الحسية فحددها في مجالات محددة ، بغض النظر عن ذلك ، فإن من بلغ رتبة الإجتهاد له ولاية ، و المرجعية الدينية ركن من أركان قوة الأمة وسبب من أسباب عزتها . نود أن نتحدث الليلة حول عنوان مهم و هو المرجعية الدينية و الوصايا العقائدية ، وسيستمر البحث على مدى أربع ليال .

سرُّ هذا البحث ينطلق من رسالة وُجهت من بعض طلاب الجامعة الى سماحة السيد علي السيستاني ، فجاء الجواب بوصايا ونصائح ثمان ، وكلها ددر ، و للأسف فان الكثير من المؤمنين لا يلتفت لها ، النقطة الأولى و الوصية الأولى ، الوصية العقائدية و لنا وقفة مع بعض ثمراتها التي ما أحوج أبناءنا اليوم الى التدبر عما جاء فيها عنه " لزوم الاعتقاد الحق بالله سبحانه والدار الآخرة، فلا يفرطن أحدكم بهذا الاعتقاد بحال ٍ بعد أن دلّت عليه الأدلّة الواضحة وقضى به المنهج القويم " ، ابتدأ سماحته بالتأكيد على العقيدة أولًا لعدة أسباب ، السبب الأول أن العقيدة تمثل الهوية ، و من لا عقيدة له ، لا هوية له ، و من له عقيدة فيها شك و ريب وضعف ، فهويته ضعيفة . التأكيد أولًا و قبل كل شيء على الهوية ، لأن التدين المتمثل في فروع الدين من صلاة وحج وخمس وغير ذلك ، لا يمكن أن يثبت الا على قاعدة ثابتة ، وهي معرفة الله عز وجل ، عن علي ( ع ) " أول الدينه معرفته " ، فيتوجب علينا - كما أوصت المرجعية - أن نحافظ على البعد العقدي ، السبب الثاني هو أن الإرتباط بالعقيدة يمثل قوة التغيير و التغيير يحتاج دائمًا الى قوة ، وأحيانا يكون التغيير بالعنف و القوة فيحتاج الى نار وقتل فيتم التغيير ولكنه سلبي ، و أحيانًا يحتاج الى قوة اجتماعية من تكاتف اجتماعي و جماهيري وشعبي ، فاذا اتحدوا كانوا أقوياءً أشداء . من سورة الأنفال " وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) " ، و توجد قوة العلم التي تقارع الجهل و تزيل ظلماته ، و هناك قوة العقيدة التي تعطي رسوخًا في الإنسان و ثباتًا حتى لمّا تتزلزل الأرض من تحت قدم الإنسان . السبب الثالث : تحقيق حالة الثبات . ما أحوجنا اليوم في هذا الزمان الى العقيدة التي تلهمنا القوة و الثبات على التدين ، الحفاظ على الدين يحتاج الى قوة ، والمغريات وأسباب الإنحراف و الإنحطاط في كل مكان . السبب الرابع أن العقيدة المتمثلة في معرفة الله تعطي للحياة معنى ، وبدونها تغيب معه معنى الحياة ، فتصير الحياة حياة غوغائية و عبثية . الإنسان قد يبتلى بحال الضياع و التيه العقائدي ، فكلما كان هدفه محددا كلما كان مسيره ثابتًا ويزيده كثرة السير قربًا الى الله .

السبب الرابع : التأكيد على تقادم المعرفة العقدية حتى يصل الإنسان الى اليقين ، فيقول سماحة السيد : " بل يسعى إلى أن يزداد به يقيناً واعتباراً حتّى يكون حاضراً عنده، ينظر إليه بالبصيرة النافذة والرؤية الثاقبة، وعند الصباح يحمد القوم السرى." ، معرفتنا بالله تمر بثلاث مراتب ، أولًا : المعرفة التقليدة : من النوائب الكبرى و المحزنة أن يبقى البعض منا بعقيدة التقليد فترات طويلة أو الى أن يموت ، يجب أن ترتقي المعرفة من المعرفة التقليدية الى المعرفة العقلية من خلال حضور الندوات العلمية و اقامة الأدلة والبراهين الفطرية و الإكتسابية مما نص عليه الدين على معرفة الله ، و يستمع للمحاضرات و يحضر الى المساجد ومنابر الحسين ( ع ) فتتطور المعرفة عنده فيعرف الدليل و البرهان ، ثانيًا : المعرفة العقلية ، ثالثًا : المعرفة القلبية وهي أن يستشعر حضور الله . فيأمل السيد أن يصل شبابنا و شابتنا الوصول لها ، و أن ننظر الى الله بالبصيرة النافذة و هي مرتبة عالية . السبب الخامس : التحذير من التشكيك العقائدي : " وإيّاه أن ينزلق إلى التشكيك في المبادئ الثابتة لتوجيه مشروعية ممارساته وسلوكه اقتفاءً لشبهات لم يصبر على متابعة البحث فيها، أو استرسالاً في الاعتماد على أفكارٍ غير ناضجة أو اغتراراً بملذّات هذه الحياة وزبرجها، أو امتعاضاً من إستغلال بعضٍ لاسم الدين للمقاصد الشخصيّة، فإنّ الحق لا يقاس بالرجال بل يقاس الرجال بالحق." وهنا أشار السيد في التشكيك الى أسبابٍ ثلاثة : أولها متابعة الشبهات ، واليوم الشبهات العقائدية يُروج اليها الملحدين ممن يتنكرون للأديان ، وهناك حرب أيدلوجية على الدين ، فاذا لم يمتلك الإنسان حجة و برهانًا فان الشبهات الذي لم يحصل على اجابة لها ستوقعه في الضياع ، فيحتاج المؤمن اذا سمع الشبهات أن يستمع للجواب من خلال حضور المحاضرات و سؤال المتخصص حتى لا تتمكن منه الشبهة ، لأنها غدة سرطانية تنتشر فيه يومًا بعد يوم فتوقعه في الشكوك و توصله الى حالة الضعف العقائدي و الدين وقد يُعرض عن دين الله .

السبب الثاني متابعة الشهوات و النزعات النفسية ، يُقسم الإلحاد المنحرف الى نوعين ، الحاد فلسفي وهو نادر ، أن يعتقد الانسان عن عدم وجود الله بالحجة و الدليل ، اما الإلحاد الذي ينتشر ويستشري اليوم بين بناتنا و أبناءنا فهو الإلحاد السلوكي ، فيتمنى لو يأخذ الحرية المُطلقة ، فيأكل ويشرب ولا يريد خطًا أحمرًا ، فيدعي الإلحاد و ينطلق بكل حرية . و هذا ما يقع فيه أغلب الناس . وثالثًا الاستغلال الديني من البعض للدين ، فتأتي عمامة هنا أو هناك ، و تستغل دين الله لمصالحها الشخصية فتسبب تشويهًا لصورة الدين بسبب ذلك العالِم و هذا المبلغ و هذا الفقيه و هذا الملتزم وهذا الرسالي لانه أخطأ ، وبذلك تنعكس الصورة على الدين . السيد السيستاني حذر من هذا الأمر ، لا ينبغي للشباب أن تتزلزل عقائدهم و أديانهم ممن يستغل الدين لمصالحه الشخصية . وصية السيد تضمنت أدلة ثابتة و مهمة فالسيد لم يوصِ فقط ، بل أشار الى لزوم الإعتقاد الحق بالله و الدار الآخرة ثم أشار الى الأدلة على ذلك ، أول دليل هو قانون السببية ، هو عينه دليل العلية ، وهو ليس دليلًا نقليًا بل دليل عقلي فلهذا يصلح لأن يكون برهانًا للمحاججة لكل الناس بغض النظر عن دينهم ، مفاده أن لكل فعل فاعل و لكل بناء بنّاء ولكل مصنوعٍ صانع . القانون الثاني هو قانون النظم ، وقد أشار اليه انه قانون عقلائي لا يمكن أن يتنكر له احد و هذا القانون يستند الى مقدمتين ، مقدمة حسية و مقدمة عقلية . القانون الثالث هي تواترالرسالات ، عندنا مائة و أربع وعشرون ألف نبي جاؤوا ليقولون " لا اله الا الله " . وحدة الكلمة و تواترها يفيد اليقين على الهية الله سبحانه وتعالى ، و الأنبياء ليسوا مؤسسين للعقيدة ، بل هناك عقدية فطرية أوجدها الله في الإنسان جاء الأنبياء ليخرجونها ، من سورة الروم " فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) " ، ويقول السيستاني " وقد توالت رسائله سبحانه من خلال أنبيائه للتذكير بذلك " ، وعن علي ( ع ) " فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكروهم منسي نعمته. ويحتجوا عليهم بالتبليغ. ويثيروا لهم دفائن العقول " . ثمّ نعى سماحة الشيخ الصفا صاحب هذه الليلة أبو طالب وهو شخصية اسلامية مهمة ثبتت على العقيدة الإسلامية .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع