شارك هذا الموضوع

الصفا ليلة الرابع من شهر رمضان لعام 1442هـ

واصل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك في ليلة الرابع من شهر رمضان المبارك لعام 1442 هـ ، وتحت عنوان " القرآن و قواعد التدبّر " ، ابتدأ سماحته بالآية المباركة من سورة محمد " أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)" ، القرآن الكريم تحدث في الكثير من آياته حول وسيلة من اهم وسائل الإعتبار و الإتعاظ ، و حول وسيلة تعتبر من أهم تلك الوسائل التي يصل الإنسان من خلالها الى فهم مرادات الله عز وجل فيؤسس معرفةً تورد الخشوع و الخضوع و التذلل لله عز وجل ، تلك الوسيلة التي جاء الخطاب بها من الله لسائر الخلق على الإطلاق ، فخوطب بها المؤمن و الكافر ، الأعربي و الأعجمي ، انها التدبّر ، فآيات التدبر في كتاب الله كثيرة و الخطاب فيها ليس من مختصات المسلمين و المؤمنين ، خطابات القرآن اذا فيها تكليف عادة يتقدمها قول الله ، " يا أيها الذين آمنوا " ، لأن المؤمن تجاوز الخطوة الأولى فهو مهيأ ليتلقف التكليف . اما سائر الناس فلا يتوجه لهم الا الخطاب العقائدي اذ أن أصول العقيدة يخاطب بها المؤمن و الكافر على حد سواء . و نتحدث الليلة حول التدبر وأهميته و قواعد التدبر .

التدبر على نوعين ، تدبر في الآيات التكوينية و تدبر في الآيات القرآنية ، الآيات التكوينية أي الوجود بما فيه ، جعل الله عز وجل من هذا الوجود علامات و آيات و دلائل تدل على عظمة شأنه و جلالة قدره ، من سورة آل عمران " إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ (190) " ، ومن سورة النساء " أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) " الخطاب عامًا و ليس خاصًا بالمسلمين ، الكثير من الآيات التي جاءت داعية بالتدبر خاطبت الكفار و المشركين ، حيث المؤمن و غير المؤمن يُطالب بالتدبر في القرآن ، فغير المؤمن اذا تدبر آمن به ، و المؤمن اذا تدبر ازداد ايمانًا و بصيرة ، ما الفرق بين التدبر و التفسير ؟ هل كل تدبر تفسير ، أم كل تفسير تدبر ، أم بينهم تباين ؟، التفسير يعود لمادة الفسر وهو كشف غوامض و أسرار و ظواهر القرآن و الوصول الى المعاني التي أرادها الله ، التفسير طريق الوصول للمعنى ، أما السفر فهو طريق للوصول الى الحقائق الخارجية ، المراد من التدبّر هو النظر في عواقب الأمور وما تؤول اليه - أي الغاية - ، التدبر هو تأمل القرآن بقصد الإتعاظ و الإعتبار و الإستبصار ، التدبر غاياته نفسية وله انعكاس على السلوك و ليس المراد من التدبر استنباط الحكم ، المفسر هو الذي يستنبط الأحكام ، أكانت فقهية أم أخلاقية أم عقائدية ، فهي من صلاحية المفسر وليست من صلاحية المتدبر ، لأنه ينظر لعموم الآية ولا أهلية له أن يحفر في دقة أحكامها و تفاصيلها ، ولذلك الخطاب بالتدبر كان عامًا و شاملًا للكفار و المشركين ، التدبر ثمرة التفسير ، وصح أن يقال كل تفسير يُفضي ويؤدي الى تدبر ، و ليس التدبر يوصل الى تفسير .

التدبر له ضوابط ، فهو طريق للوصول الى ايقاظ القلب و الضمير ، أول قاعدة ان التدبر يُكتفى به بالفهم العام للآية ولا يطالب المتدبر بالفهم الدقيق لأجزاء ومضامين الآية و هو أمر حاصل ، القاعدة الثانية أن الغرض من التدبر هو الإبصار . فالتدبر يجعل الآية مرآة لميزان النفس ، فيكشف أمراضها وجوانب ضعفها وعللها و أسقامها . القاعدة الثالثة أن التدبر لا يشترط فيه العلم . يتفاوت الناس حسب ما يملكون ، فيخاطب العالم و الفلاح و العامي و المشرك بالتدبر ، القرآن مائدة الله بقدر استعدادنا نأخذ . المتدبر لكتاب الله يجب أن يعرف أنه لا ينتج الأحكام ، فلا يمكن للشخص العادي أن يصل اليها حيث لا يملك أدوات الإجتهاد و الإستنباط . من يقوم بجلسات التدبر يجب أن يتجنب الأحكام ، دلالة اللفظ على المعنى على أربعة أنحاء ، في القرآن الكريم اما أن يكون الوضوح بينًا كالشمس في رابعة النهار وهذا يسمى نص ، و النص واضح تمامًا على مراد الله عز وجل كالشمس على الشمس و الانسان على الانسان ، وهناك لفظ ظاهر ، ينطبق على عدة أشياء ولكنه يكون أوضح في معنى ما ، كالعين ، فهي تنطبق على الباصرة و الماء و الجاسوس و الشخص الوجيه . فهنا يأتي الإجتهاد و يأتي الفقيه يحدد المراد منه . هناك مفهوم تفكر ومفهوم تدبّر ، اذا كان النظر في الآيات الكونية يقال له تفكر أما اذا كان في الآيات القرآنية يقال له تدبر . من سورة ص " كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)" . التدبر يولّد تذكرًا قلبيًا والغرض منه تحريك جوانح قلب الإنسان ، من كان غافلًا يعود لحالة الذكر . فأداة التدبر هو القلب ، و أداة التفكر هو العقل . من سورة ق " إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) " . التدبر يحتاج للقلب ومن كان قلبه ميتًا لا يعرف الخشوع و التخضّع ، لن يتأثر حتى لو قرأ القرآن مرارًا و تكرارًا .

بعض الأعلام توقف عند نقطة مهمة و هي كيف للإنسان أن يتدبر دون أن يكون من أهل العلم ، فهل يجب أن نكون من أهل العلم حتى نتدبر ، فقالوا أن العلم ينقسم الى قسمان ، علم اكتسابي وعلم فطري . و يكفينا في التدبر المعارف القبلية الفطرية التي عند الإنسان ، هذا العقل عقل نوعي ، فكل انسان له عقل . والعقل له قوانين ثابتة وجد الدين أم لم يوجد . ولذلك خاطب الله الكفار ليتدبروا القرآن ، فلديهم خلفية معرفية عقلية تؤهلهم للتدبر . للقرآن بطون و كل يسبح في أعماق معارف القرآن بقدر ما يملك من معرفة . لابد بأن نعلم أن القرآن له جاذبية خاصة لا توجد في غيره ، الجاذبية أنواع ، تكوينية كجاذبية الأجسام ، و جاذبية فيزيائية كانجذاب الحديد للمغناطيس ، و يوجد جاذبية غرائزية ، كانجذاب الذكر للانثى والعكس سواء في الإنسان أو الحيوان أو النبات ، وهناك جاذبية عقلية ، وهي ليس خاصة بالمسلمين دون غيرهم ، وهو انجذاب نحو الكمال و الجمال . وسبك القرآن فيه جمال بلاغي يجذب العقول ، لدرجة أن المشركين كانوا يضعون أياديهم على آذانهم و يمنعون أتباعهم من السماع له حتى قالوا أن القرآن سحرًا ، وهو ليس بسحر ، بل ان جاذبيته لشدة عذوبته و جماله الذي لا يقاوم ، فأمر الله المشرك و الكافر أن يتدبّر القرآن و ان لم يفهموا أسراره و يؤثر في المسلم و غير المسلم ، ولذلك الجاذبية موجودة في القرآن بنوعيه ( الصامت و الناطق ) .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع