شارك هذا الموضوع

الصفا ليلة الثاني من شهر رمضان لعام 1442هـ

أكمل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك في ليلة الثاني من شهر رمضان المبارك لعام 1442 هـ ، وتحت عنوان " القرآن و أنواع الوحي " ابتدأ سماحته بالآية المباركة من سورة الشورى " وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۚ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) "القرآن الكريم يؤسس لقاعدة رصينة على ضوئها يمكن اثبات الأديان و المعتقدات السماوية ، فكل دين سماوي الهي لا يمكن أن يثبت وجوده الا من خلال تلك القاعدة الرصينة ، وهي قاعدة الوحي ، الأديان تنقسم الى قسمين ، أديان سماوية و أديان أرضية ، الأديان السماوية منشأها الله ، و من خلال الوحي الذي نزل على صدور الأنبياء ، أما الأديان الأرضية فهي نتاج عقل الإنسان ، وهو من أوجد عبادة اللات و العزى ، و عبادة الأصنام و الأبقار ، و عبادة النجوم و الأقمار ، نبين اليوم خطورة مسألة الوحي و أهميته وقبل ذلك يتوجب علينا أن نتعرّف على حقيقة الوحي .

الوحي له معنىً لغوي و اصطلاحي ، وقد عبر عنه علماء اللغة أن الوحي هو الإعلام في خفاء و أصله الإشارة السريعة لخصوص المعني دون غيره ، تعريف الوحي الإصطلاحي هو اعلام الله تعالى لنبي من أنبيائه ، من سورة الكهف " قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110) " وهي حلقة وصل بين عالم الملك و عالم الملكوت ، هذا الإعلام الذي يكون بين الله و بين نبيه من أجل تبليغه حكمًا أو علمًا بطريقة غيبية . وسناقش الليلة عدة نقاط ، الأولى اختلفت الآراء في مصدر الوحي ، لكل لفظ معنى وهي قاعدة فكرية ثابتة ، الدلالة اما تكون دلالة عقلية لا تختلف ولا تتخلف (كطلوع النهار مع وجود الشمس) ، أو دلالة طبعية تختلف وتتخلف ( مثل الصراخ عند الشعور بالألم ) ، أو وضعية كدلالة الألفاظ على معانيها .اختلفت الآراء حول الوحي الى ثلاثة آراء ، الأول يقول أن المعنى من عند الله و اللفظ من جبرائيل ، فألقى الله في روع جبرائيل معانٍ ، وجبرائيل خاطب النبي ألفاظًا فتلقف النبي ألفاظًا من جبريل و معانٍ من الله ، والنبي مبلّغ فقط ، الرأي الثاني ، أنّ الله هو مصدر المعنى و ألقاها في روع جبرائيل ، و جبرائيل القاها معنًى في صدر النبي ، و قد تكلم النّبي بلسان عربي مبين على ضوء البيئة البلاغية التي يعيشها ، وعليه فإن ألفاظ القرآن نتاج رسول الله ( ص ) ، و المعاني مصدرها الله ، النظرية الثالثة وهي الصحيحة الذي عليه مدرسة أهل البيت أن المعاني و الألفاظ مصدرها الله تعالى ، و ما جبرائيل و النبي سوى مبلغين ، هناك افرازات تترتب على تلك النظريات ، الوحي الذي تجلى فيها الوجود في صورة قرآن أو توراة أو انجيل هو كلام الله ، وهذا الوحي تفسره ثلاثة مدارس .

المدرسة الأولى مدرسة الإلحاد التي تعمد المنهج التجريبي في تحليل الأشياء و اثبات الحقائق ، وهؤلاء أنكروا الوحي ، ولم يؤمنوا بوجوده و اعتبروه أباطيل وخرافات لا حقيقة لها ، لأن منهجمهم العلمي قائم على المنهج الحسي و التجريبي فكل ما أمكن اقامة التجربة عليه يؤمنون به ، ولا يمكن لواسطة الوحي أن يخضع للتجارب الحسية و هو ليس ماديًا و ليس بحس ، والذات الالهية أيضًا لا يمكن أن تخضع للتجربة ، فهذا المنهج أفرز انكارًا للوحي . فمع انقطاع الوحي سقطت الأديان جميعًا و يفسر الملحدون أن وجود الدين منشأه التقاء أول مخادع بأول غبي - حسب اعتقادهم -المدرسة الثانية هي مدرسة اليهود و النصارى ، منذ زمن النبي الى زماننا ، يؤمنون بنزول الوحي ولا ينكرونه لكنهم ينكرون نزوله على النبي محمد ( ص ) ، واعتقاد اليهود أن الأنبياء لا يأتون الا من بني اسرائيل ، ودعوى النبي زائفة في نظرهم ، ولا تكون النبوة في العرب ، المدرسة الثالثة هي المدرسة الحداثوية ، عندما وقفوا مع الوحي الغيبي الالهي ، وقفوا ليفسروه تفسيرًا جديدًا ، الحداثويون من المسلمين يؤمنون بوجود الله من جانب و يعتقدون بنوبة النبي ( ص ) من جانب آخر ، ولكن قرائتهم للوحي مغايرة لما دلّت عليه النصوص و الروايات ، الوحي هو خطاب الله للأنبياء ، فصار يقول أحدهم ويدعى محمد أركون يقصد الوحي بمفهومه الأوسع و الذي عبر عنه على النحو التالي "و تحديدنا الخاص الذي نقدمه عن الوحي يمتاز بخصيصة فريدة, هو أنه يستوعب بوذا و كونفوشيوس و الحكماء الأفارقة, و كل الأصوات الكبرى التي جسٌدت التجربة الجماعية لفئة بشرية ما من أجل إدخالها في قدر تاريخي جديد و اغناء التجربة البشرية عن الإلهي ." فقد كسروا المعنى الاصطلاحي لمعنى الوحي والذي هو علقة بين الله ونبيه .

الوحي ينقسم الى قسمين ، وحي رسالي ووحي غير رسالي ، وحي الأنبياء هو وحي رسالي ، كالذي لموسى و عيسى و لمحمد ( ص ) ، ما يأتون به وحي رسالي فيه أحكام و شرائع و قوانين ، من سورة النساء " ۞ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) " ، وهناك وحي غير رسالي ، من سورة القصص " وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) " الرضاعة أمر فطري وليس اكتسابي ، ايضًا في سورة المائدة " وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111) " ، الإيمان بالموجد أمر فطري ، و هناك مفردة أخرى وهو الإلهام الغرائزي الحيواني الذي يسمى وحي أيضًا ، من سورة النحل " وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68)" ، أيضأ وساوس الشيطان وهي الخواطر التي تلقى في روع الإنسان ، من سورة الأنعام " وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ۗ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ۖ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) " وعلى المؤمن أن لا يلتبس الخواطر التي تتوارد على صدره ، هل مصدرها الله أم الشيطان أم النفس ؟ آخر مصاديق الوحي وهي كثيرة ، بمعنى مخاطبة الأولياء ، أي أن الملائكة تخاطب أولياء الله ، و الأئمة الأطهار تحدثهم مختلف الملائكة ، ولكن ليس وحيًا رساليًا ، وانما تنزل بمعارف و غير ذلك .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع