شارك هذا الموضوع

الصفا ليلة الحادي من شهر رمضان لعام 1442هـ

استهلّ سماحة الشيخ ابراهيم الصفا - تحت ظروف استثنائية كما في الموسم السابق بسبب تفشي فايروس كورونا مما أثر في حضور محبين أهل البيت الى الحسينية - سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك في ليلة الحادي من شهر رمضان المبارك لعام 1442 هـ ، وتحت عنوان " القرآن و الصيام و تجليات الرحمة الإلهية " ابتدأ سماحته بالآية المباركة من سورة البقرة " شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)"القرآن الكريم يؤكد على علاقة وطيدة لا يمكن أن تنفك بين حقيقتين مهمتين وهما القرآن و الصيام ، العلاقة بين الصيام من جانب و بين القرآن من جانب آخر، وهي علاقة وطيدة تكوينية أسس لها المولى عز وجل ، فالله شاء أن يختار ظرفًا زمنيًا مباركًا لينزل كلامه فيه وهي ليلة القدر ، من سورة الدخان " إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3)" .هذه العلاقة وطيدة جدًا، كما جاء في النص عن النبي ( ص ) " شهر رمضان ربيع القرآن " و في رواية أخرى عن الإمام الباقر ( ع ) " لكل شيء ربيع و ربيع القرآن شهر رمضان " ، ويعلم الأحبة أن تشبيههم عليهم السلام شهر الله على أنه ربيع القرآن لوجود التشابه بينهم في عدة وجوه ، سنذكر منها ثلاثة ، الوجه الأول : التقوى ، الوجه الثاني : الشفاعة و الوجه الثالث الردع عن الشيطان .

أول عناصر الإشتراك ، أن شهر الله و القرآن يشتركان في هدف واحد و غاية واحدة ، ولا شك أن وجود الأهداف و الغايات مهمًا جدًا لقياس مسيرة العبد نحو الكمال ، ولا يمكن قياس الكمال الا على وفق الأهداف وهو صناعة الإنسان الكامل ، و أن يبلغ الإنسان مقام الكمال ، و من مظاهر كمال الإنسان أن يكون من المتقين ، من سورة البقرة " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) " الصيام رياضة روحية تهذب النفس ، اذن الصيام عبادة أراد الله منها أن يوصل الصائم من خلالها الى التقوى ، كما القرآن " الم (1) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) " التقوى التي اشتقت من الوقاية و الوقاية هي الخوف و الحذر و الترقب من الله عز وجل ، وهي معيار الكمال بلحاظ القرآن و الصيام ، والهدف أن يصل الإنسان الى مقام التقوى . التقوى التي هي ثوب الباطن ، من سورة الأعراف " يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) " ، فكما للجسد فضح و هتك ، للروح أيضًا هتك و فضح لكن ليس أمام البشر ، وانما امام الملائكة و أولياء الله " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله " .التقوى حالة معنوية تؤطر النفس فتجعلها مستورة من الخزايا و المعاصي وتتعطر بطاعة الله . الملائكة تتطلع على جواهر العباد ، فقد يكون ظاهرها مستترًا طاهرًا لكن عورته المعنوية مفضوحة عند الملائكة . قال أمير المؤمنين عليه السلام : " تعطروا بالاستغفار لا تفضحكم روائح الذنوب " .

من شأن الصيام ومن شأن القرآن أن يوصل الإنسان الى مراتب الكمال ، القرآن يمثل المسيرة النفسانية . من سورة فصلت " سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) " ، الآية الشريفة توضح لنا طريقان يوصلانك الى الله ، طريق أنفسي مثل شهر رمضان الذي يعمد على تطهير النفس ، و الصوم له فلسفة في ذلك ، و أما القرآن فهو الطريق الآفاقي ، و كذلك التأمل في الوجود فانه يُكوّن حركة آفاقية توصلك الى الله عز وجل . علينا أن نقيس مستوى الصلاح في نهاية شهر رمضان ، ما هو مستوى زاوية التغيير من الإنحراف ، عن الإمام الصادق ( ع ) في تعريفه للتقوى " أن لا يفقدك الله حيث أمرك، ولا يراك حيث نهاك " فالصيام يحرّك الإنسان نحو الإستقامة و يحوّله من حالة الإنحراف الى الطاعة ، فمن وجد نفسه لا زالت تنزع الى المعصية فلا زال يحتاج الى مزيد من الصلاح و الاستقامة ، اذن علينا ان نُجنّد الصيام و أن نُجنّد القرآن من أجل حركة واحدة متكاملة هدفها هو الخروج من موسم الصيام بانسان كامل .القرآن و الصيام يوصلان العبد الى اليقين ، القرآن يوصل العبد الى اليقين بدلائله و آياته و حججه ، و القرآن ليس معجز في بلاغته فقط ، بل بإعجازه العلمي أيضًا و الإعجاز العلمي حركي لكل زمان و مكان ، فالصيام أيضًا يوصل الإنسان الى اليقين ، عندما عرج بالنبي ( ص ) " يا أحمد إن العبادة عشرة أجزاء تسعة منها طلب الحلال، فإذا طيبت مطعمك ومشربك فأنت في حفظي وكنفي، قال: يا رب ما أول العبادة؟ قال: أول العبادة الصمت والصوم، قال: يا رب وما ميراث الصوم؟ قال: الصوم يورث الحكمة والحكمة تورث المعرفة، والمعرفة تورث اليقين، فإذا استيقن العبد لا يبالي كيف أصبح، بعسر أم بيسر، " و الصيام يجلو حجب الرين عن القلب .

وجه الإشتراك الثاني هو الشفاعة ، بمجرد أن نأتي بمفهوم الشفاعة يتبادر الينا شفاعة النبي محمد ( ص ) ، لنلتفت أن الشفعاء يوم القيامة عديدون ، و لكنهم يتفاوتون في مساحة الشفاعة و مقدارها ، يتجسم القرآن في صورة نورانية و يقف شافعًا لمن واظب على قراءته ، و الصيام له صورة ملكوتية يوم القيامة و يقف شافعًا لهذا العبد أيضًا ، و النبي له مقام الشفاعة المطلقة " "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" ، و يقول النبي " الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ ، قَالَ: «فَيُشَفَّعَانِ».أي أن الله يعطى شهر رمضان الصلاحية للشفاعة للصائمين المخلصين و يعطي صلاحية الشفاعة للقرأن للمتدبرين فيه و العاملين بحدوده . النقطة الثالثة أن القرآن و الصيام من أهم وسائل الردع لطاغوت الشيطان و جبروته ، الشيطان واحد من الأعداء الذين شكو منهم زين العابدين في مناجاة الشاكين " إلهِي إليْكَ أَشْكُو نَفْساً بِالسُّوءِ أَمَّارَةً، وَإلَى الْخَطيئَةِ مُبادِرَةً، وَبِمَعاصِيكَ مُولَعَةً، وَلِسَخَطِكَ مُتَعَرِّضَةً، تسْلُكُ بِي مَسالِكَ الْمَهالِكِ، وَتَجْعَلُنِي عِنْدَكَ أَهْوَنَ هالِك، كَثِيرَةَ الْعِلَلِ طَوِيلَةَ الاَمَلِ، إنْ مَسَّهَا الشَّرُّ تَجْزَعُ، وَإنْ مَسَّهَا الْخَيْرُ تَمْنَعُ، مَيَّالَةً إلَى اللَّعِبِ وَاللَّهْوِ، مَمْلُوَّةً بِالْغَفْلَةِ وَالسَّهُوِ، تُسْرِعُ بِي إلَى الْحَوْبَةِ، وَتُسَوِّفُنِي بِالتَّوْبَةِ.، فيكمل ( ع ) " إلهِي أَشْكُو إلَيْكَ عَدُوّاً يُضِلُّنِي، وَشَيْطانَاً يَغْوِينِي، قَدْ مَلاَ بِالْوَسْواسِ صَدْرِي، وَأَحاطَتْ هَواجِسُهُ بِقَلْبِي يُعاضِدُ لِيَ الْهَوى، وَيُزَيِّنُ لِي حُبَّ الدُّنْيَا، وَيَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ الطَّاعَةِ وَالزُّلْفى. " . الشيطان عدو تربص الينا بمكائده و وساوسه . ورد في النص أن الصيام من أهم ما يردع الشيطان ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله لأصحابه: " ألا أخبركم بشئ إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان عنكم كما تباعد المشرق من المغرب؟ قالوا: بلي يا رسول الله، قال:الصوم يسود وجهه، والصدقة تكسر ظهره، والحب في الله عز وجل والمؤازرة على العمل الصالح يقطع دابره، والاستغفار يقطع وتينه ولكل شئ زكاة وزكاة الأبدان الصيام ".

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع