شارك الخطيب الحسيني الشيخ رائد الستري يوم التاسع من شهر المحرم الحرام لعام 1442 هـ في المجلس الحسيني بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و تحت عنوان " موقعية العقل في بناء الشباب ( الأكبر "ع" كمثال ) " ، ابتدأ سماحته بالآيات المباركة من سورة الزمر " (16) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ ۚ فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18) " نتحدث حول بناء شخصية الشباب و دخول العقل كمكون أساسي في صقل الوعي لدى الشباب ، و نطرح في ذلك علي الأكبر مثالًا .
أولًا : حول مفهوم العقل و ما يراد بالعقل قرآيًا و اسلاميًا ، يقول البعض أن مفهوم العقل هو القوة الإدراكية عند الإنسان و التي امتاز بها عن بقية الحيوانات ، ، لكن كي نوضح المفهوم القرآني يجب أن نتعرض في جملة من الآيات التي يتحدث الله فيها عن العقلاء ، فالآية التي ابتدأنا بها المجلس نجد في آخرها أولو الألباب أي من يتمتعون باللب ، و اللب في أحد استخدامته يعني العقل و الفهم و أولئك الذين يستمعون القول فيتبعون أحسه كما ذكرت بداية الآية ، و أحسن القول هو القول المدعم بالأدلة والبراهين الذي يتصف بالحق و الحقيقة ، أي أن أولو الألباب حسب الآية هم الذين يتقبلون و يفتشون عن الأقوال فيتبعون أحسنه
في آية أخرى في سورة البقرة " وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ (163) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)" . هناك فئة من العقلاء اذا عُرضت عليهم جملة من الآيات و العلامات ، مثل خلق السماوات و الأرض و الفلك التي تجري و تصريف الرياح و السحاب المسخّر فانهم يقتنعون . اذن العقلاء حسب القرآن الكريم هم من يمتلكون القدرة على تمييز الحق من الباطل واتباع الحق ، و العقل حسب القرآن الكريم هو الفهم المدعم بالحجج و البراهين واعمال الحق . و نجد في آيات أخرى تصف اولئك الذين لا يعقلون أي لا ينشطون عقولهم ، حيث كلما عرضت عليهم آية من المفترض ان تكون حجة عليهم تركوها ، فأولئك هم السفهاء و الجهلاء . أي أنّ مفهوم العقل قرآنيًا هو اعمال القوة الادراكية وليس وجود قوة الإدراك فحسب .
ثانيًا : نعدد المذاهب الأساسية التي تختلف في تحديد الصدق و الحق و الحقيقة ، هناك ثلاثة مذاهب أساسية ، المذهب الأول : هو مذهب النفعية أي المصلحة ، وما يعرفون بالبراغماتية و هم من يتبعون مصالحهم ويفتشون على المصلحة ، و يذهب فلاسفة هذا المذهب أن ميزان الحق و الباطل هو المصلحة ، وهي ما يعارضها القرآن بشكل صريح ، من سورة المؤمنون " وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ (71) " ، مثالٌ على ذلك ، يقفون مع بر الوالدين موقفًا متذبذًا فمتى ما انتفعت منهما فبرهما ، ومتى ما كانوا ينتفعون منك فاتركهم . المذهب الثاني من يقول بأن الحق يدور مدار الإنسجامية ، هل أنها منسجمة مع الطبيعة الإنسانية أو الميل الإنساني مثل الحياة . الحياة حق وميل كل انسان . فيمنعون قتل الإنسان المجرم لأنه غير منسجم مع ميلانه في الحياة ، و يسمحون بالتبرّج لان المتبرجات يصنعون الجمال في البيئة و هذا ينسجم مع الميل الإنسانيغير مكترثين بالتبعات الخطيرة على المجتمع .
المذهب الثالث هو المذهب الإسلامي ، و الإسلام يًرجع كل قضية الى قضية مسلّمة و هي القضايا اليقينية ، كل قضية لها حقيقة ثابتة وما ليس لها حقيقة ثابتة فهي باطلة ، مثل البر بالأبوين ، يرى الإسلام ببرهما سواءً كانوا أغنياء أو فقراء . من سورة الإسراء " ۞ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) ، نجد أن الإسلام يدعو الى ممارسة الإحسان للأبوين ، و وحين ترجعها للمُسلّمة العقلية هو جزاء الإحسان الى من يحسن اليك . من سورة الرحمن " هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60) " ، فالاسلام في تشريعاته قائمٌ على المصالح و المفاسد ، الا أن مصالح الإسلام لا تقتصر فقط على الجاتب المادي بل تتعداه الى النفع الروحي و المعنوي وهو أوسع من الجانب المادي .
ثالثًا : حول علي الأكبر مثالًا على ذلك ، تقول الرواية بينما كان الحسين و أصحابه سائرون الى كربلاء خفق ( ع ) وهو على ظهر فرسه خفقة ثم انتبه وهو يقول: " إنا لله وإنا إليه راجعون " والحمد لله رب العالمين ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين فقال: مم حمدت الله واسترجعت؟ قال: يا بني إني خفقت خفقة فعن لي فارس على فرس وهو يقول: القوم يسيرون ، والمنايا تسير إليهم ، فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا، فقال له: يا أبت لا أراك الله سوءا، ألسنا على الحق؟ قال: بلى والله الذي مرجع العباد إليه، فقال: فإننا إذا ما نبالي أن نموت محقين " ، و من هنا نجد أن علي بن الحسين الأكبر مثال في العقل الإسلامي حيث لم يكن نفعيًا كما كان البعض و ترك نصرة الحسين حينما عرف أنه سيقتل ، و لا انسجاميًا مع الطبيعة الإنسانية في حب البقاء .
التعليقات (0)