شارك الخطيب الحسيني السيد عدنان الكراني في ليلة الرابع من شهر المحرم الحرام لعام 1442 هـ ، و تحت عنوان " ملاحم الشخصية الرسالية " ، ابتدأ سماحته بالشعر " رسـول حسينٍ ونعم الرسول إلـيهم مـن العترة الصالحه " للسيد الباقر الهندي ، كتب نصفها و اكمل النصف الآخر أخوه وهو قطب من أقطاب الشعر الحسيني وهو السيد رضا الهندي و عمرها أكثر من مئة سنة ، من خلال هذا البيت ، ندخل الى دور الشخصية الرسالية و دورها في تبليغ الإسلام و التأثير فيه .
الملامح العامة للشخصية التي تتصف بولاء أهل البيت وتنتمي اليهم ، هناك ملامح عامة للشخصية الرسالية ، كل ملامحها أنها أمينة في اداء الرسالة التي يُناط بها لايصالها للهدف التي أعلنت من أجله ، و نجد الحسين راعى تلك العوامل في اختيار من مَثّله و أرسله للكوفة و هو مسلم بن عقيل ، هذا الإختيار لم يكن اعتباطيًا ، و لم يتأثر بعلاقة أسرية و أمور عاطفية و أحاسيس و مشاعر كما يحدث لكثير من الناس ، فانه يراعي الامور المصلحية ، اختار الحسين مسلمًا اختيارًا انتقائيًا و قائمًا على التخطيط الواعي و الشعور بالمسؤولية نحو الهدف المرجو .
الشخصية التي اختارها الحسين من المفترض ان تكون ابن البيئة السائدة ، يجب أن يخرج من المحيط الذي نشأ و تربى فيه ، علماء الإجتماع يُعرّفون الشخصية بأنها المجموع الصفاتي المُمَيّز للفرد عن غيره ، أي اتحاد بين قوانين وراثية وتربوية و قوانين محيط ، لتتم صناعة وتكوين هذا الإنسان ، العلامة فضل الله النوري المدفون بجوار المعصومة وهو علم من علماء المذهب وقد واجه الإستعمار البريطاني في ايران ، وقد توفيت زوجته عندما ولدت ، وقد رضعته ناصبية ، هذا الولد قام يرقص على جنازة أبيه . ، فلم يؤثر تربية العالم الجليل وذلك بسبب واسطة الرضاعة .
قلة الوازع الديني والعزوف عن المساجد و المآتم يجب الوقوف عندها ، تغيرت الكثير من الإنتماءات و الولاءات و الشعور بالمسؤولية عن الأجيال التي سبقت - وان امتلكت وعيًا - ، ولكن يُعتل الإنسان في اصلاح هذا الطريق . مسلم بن عقيل وُلد وتربّى في بيت رسول الله ، و تشرّب أخلاق النبي ( ص ) و علي و الحسن و الحسين ( ع ) و كان نتاجه أنه امتلك أخلاقًا عالية و ايمانًا و رفعةً فعبر عنه الحسين انه ثقته ، وهذا يدل على مقام علمي و إيماني بلغه مسلم ، وهذا الأمر لم يكن بتأثير الحسب و النسب للحسين ، لكي تعرف العلة في اختيار مسلم ، يجب الوقوف عند التركيبة الديموغرافية لمجتمع الكوفة . الحسين يخاطبهم " وإنّي باعث إليكم أخي، وابن عمّي، وثقتي من أهلي مسلم بن عقيل، فإن كتب إليّ أنّه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجا والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم، " هذا الخطاب موجه لأهل الكوفة .
نجد لأهل الكوفة خطرًا كبيرًا في ذلك الزمان ، لما كان يمثل مقامها في الحياة الإسلامية و هذا ما بينه معاوية بن أبي سفيان لولده يزيد ، " انظر أهل العراق، فان سألوك ان تعزل عنهم كل يوم عاملا فأفعل ، فان عزل عامل أيسر من ان تشهر عليك مائة الف سيف ". نعرف من خلال ذلك أن مجتمع الكوفة خليط غير متجانس ولا يحتوي على تركيب يعمل على اجتماعه ، وهذا يرجع لوجود تيارات متعددة ولغات متنوعة ، جاءت من الأُسراء الذين تم جلبهم إما من الروم أو الفرس ، فأصبح من العسير قيادة ذلك المجتمع ، الا عن طريق الحديد والنار . جاء لهم علي بن أبي طالب ( ع ) كي يسمو بأرواحهم و عقولهم لكنه قال لهم " قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحا "وتعايش معهم معايشة جسدية فقط . " وَإِنَّمَا كُنْتُ جَاراً جَاوَرَكُمْ بَدَنِي أَيَّاماً " . لا يوجد تجاذب روحي ولا معنوي بين علي بن أبي طالب و أهل الكوفة .
الحسين عليه السلام لما جائته الكتب لم يهرع اليهم مباشرة لأنه يعرفهم حق معرفته ، وقد قاسى الإمام علي معهم و خذلوا الحسن ( ع ) فكيف يصدقهم الحسين ( ع ) ، الا أن يلقي الحجة عليهم فبعث مبعوث يعمل على دراسة جدية هذا المجتمع و مدى اقباله على لإلتزام بأوامر أهل البيت ، و الثورة تحتاج الى دقة في اختيار الشخصيات ، فقد وقع الإختيار على مسلم . مسلم نزل في دار المختار الثقفي ثم انتقل الى دار هانئ بن عروة . ولكن لم يكتب لحركة مسلم في النجاح ليست أسبابًا شخصية ، فلا يوجد عيب و نقص في مسلم ، لعل من ضمن الأسباب هي مثالية مسلم و أخلاقه . حيث كان بامكانه قتل عبيد الله بن زياد في بيت هانئ لما كان مريضًا ، و اتفق مع مسلم أن يقف تحت الستار و يقتل عبيدالله بن زياد ، ولما سأل هانئ مسلمًا لم ضيع الفرصة ولم يقتله ؟ رد عليه " الإيمان قيد الفتك " و ان كان عدوًا له أن يقتله بالغدر في بيته . و مقتل هانئ بن عروة أحدث تعجيلًا للأمور وارتباك في صفوف الناس .
التعليقات (0)