شارك الخطيب الحسيني الشيخ رائد الستري يوم الثالث من شهر المحرم الحرام لعام 1442 هـ ، و تحت عنوان " المصادر التاريخية للثورة الحسينية " ، ابتدأ سماحته بحديث للإمام الرضا ( ع ) لابن شبيب " يَا ابْنَ شَبِيبٍ: إِنْ كُنْتَ بَاكِياً لِشَيْءٍ فَابْكِ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ( ع )، فَإِنَّهُ ذُبِحَ كَمَا يُذْبَحُ الْكَبْشُ " ، نتحدث اليوم عن كتب و عن مصادر ، و ليس عن روايات و رواة تأريخيين ينقلون الحادثة و الواقعة ، أولًا : تقسيم علماء التأريخ مصادر التأريخ لثورة الحسين لمصادر تأريخية قديمة و مصادر حديثة ، فما سبب هذه التقسيم و ما ميزته ؟ ثانيًا : سردٌ لمجموعة من الكتب القديمة والحديثة ، ثالثًا : بعض الملاحظات في النقولات التأريخية .
أولًا : يقولون بأن مصادر التأريخ الحسيني تنقسم لقسمين أساسيين ، قسم قديم و قسم حديث ، أما القديم فهي المصادر التي دُوّنت في القرن الثاني للهجرة وامتدادًا للقرن الثامن للهجرة ، أما القسم الثاني وهو المصادر التي دُوّنت بعد ذلك ، أي في القرن التاسع و العاشر وما بعدهما ، ويرى علماء التأريخ بأن القيمة العليا للتاريخ القديم دون الحديث ، و ذلك يعود لأن الحدث اذا وقع في فترة ما فان المعاصرين او ممن يكونون قريبين من ذلك الحدث يكون نقلهم أكثر دقة ، وكلما ابتعدت ضعفت الذاكرة التأريخية ، نجد ان الاعتبار و الاعتماد للبعيدين يبتعد شيئًا فشيئًا ، علماء التحقيق في التأريخ بما توافق لهم من كتب في القرن السابع و الثامن انها تأخذ من الكتب القديمة ، فالأجدر أن لا نلجأ في كتب التأريخ الى الكتب المتأخرة بل الى الكتب القديمة وهذه ميزة التقسيم ، ولكن ليست بالضرورة أن القديمة تعطينا اليقين في قضية تأريخية . فليس من الضرورة أن تصل الى نتيجة قطعية ، بل تصل الى احتمالات ليس الا .
ثانيًا : ما هي الكتب المعتبرة ، و الأقل اعتبارًا ، في تسمية من قتل من أولاد الحسين و شيعته كتاب " من قتل مع الحسين " وقد أُلّف في القرن الثاني للهجرة ، و هذا من أقدم المصادر التأريخية ، كتاب " مقتل ابن أبي مخنف " كونه أقدمًا لكن النسخة المتواترة عندنا ليست موثوقة ، وفيها الكثير من الأغلاط و التهافت و التعارض و التكاذب والتفاوت بين الأبواب و النقول ، ولذى علماء التأريخ يقولون لكل محقق قارئًا للتاريخ ، أن يتنبه من هذا الراوي بأنه موثوق عندنا وعند العامة وكان لديه كتاب قد جمع فيه جملة من الأخبار و ينقل عنه الكثير من المؤرخين ، ولكن هذا المقتل الذي دُوّن لم يصل الينا بنحو معتبر . النسخة الصحيحة نقل عنها علماء التاريخ مثل الكامل و الطبري و اليعقوبي . لذلك هناك جهد تحقيقي في اعادة كتاب هذا الكتاب من خلال ما ورد من أخبار في الكتب التأريخية ، و هذا الجهد المتأخر يختلف عن ذلك المقتل . المحقق الشيخ يوسف الغروي عمد على طباعة هذا الكتاب ولكنه مُستقى من الكتب التأريخية التي نقلت أخبارًا عنه ، فأُفرد مقتل باسمه .
من ضمن الكتب أيضًا كتاب " الطبقات " للمؤلف محمد بن سعد البغدادي ، كتاب " الإمامة و السياسة " للمؤلف أبي محمد عبد الله بن مسلم/ابن قتيبة، كتاب " أنساب الأشراف " المؤلف أحمد بن يحي بن جابر البلاذري ، كتاب " الأخبار الطوال " للمؤلف أبو حنيفة الدينوري ، كتاب " تاريخ اليعقوبي " للشيخ اليعقوبي ، كتاب "تاريخ الطبري" للمؤلف محمد بن جرير الطبري ، كتاب " الفتوح " ، كتاب " العقد الفريد ، كلها كتب قديمة بعضها يعود لأبناء لعامة ذكرت بعضًا من أخبار واقعة الطف ، من كتب الشيعية " كامل الزيارات " للشيخ ابن قولويه القمي ، كتاب" الأمالي " للشيخ الصدوق " ، كتاب " الإرشاد " للمفيد ، وكتاب " مصباح التهجد " للشيخ الطوسي ، كلها كتب قديمة تعد معتبرة . ربما تكون بعض الروايات ضعيفة فلا تكون معتبرة بشكل يقيني وانما معتبرة بنحو يشكل الإحتمال والظن .
المصادر الحديثة في القرن العاشر وما بعده ، هناك جملة من الكتب مثل " روضة الشهداء " لحسين الكاشفي وهذا كتاب ينقل عنه الكثير لانه امتاز باسلوبًا قصصيًا ، وينقل عنه الكثير من أهل النعي ، ويعرف في بعض البلدان ب"قارئ الروضة " ولكن هذا الكتاب فيه الكثير من القصص من نسج الخيال ، لاستدرار الدمعة ، لابد من الدقة في التعامل مع الروايات ، كتاب " المنتخب في جمع المراثي " للمؤلف فخر الدين الطريحي ، لا يعد في خانة الكتب الأكثر اعتبارًا ، فيه بعض الأخبار قد تفرّد بنقلها ، اما الأخبار التي ذكرت في كتب أخرى فيرجع الى كتب أخرى ، وهو من تفرّد بنقل زواج القاسم . درجت الكتب المتأخرة على نحو من التساهل في لسان الحال ، و التأليف و عمد بعض الأشخاص على تأليف كتب باعتبار أن ذلك هو المطلوب جماهيريًا . ولكن لتصحيح النقول نحتاج الى تكاتف الجهود ، من خطيب و قارئ للحديث فهناك كتب تأريخية أفضل مما تستعمل قديمًا كـ " موسوعة الإمام الحسين " لمحمد ري شهري ، و " تاريخ الإسلام " للشيخ يوسف الغروي " ، و كتاب " الصحيح من مقتل الإمام الحسين " لري شهري ، و هي من الكتب المعتبرة ، و يتحمل المستمع أيضًا جزءًا في نقل القصص لابناءه .
ثالثًا : ما المطلوب في البحث التاريخي ؟ في العقيدة ينبغي الوصول الى نتيجة اليقين و لا تبنى على احتمالات ، الجانب الفقهي المطلوب منك أن تعتمد على دليل معتبر من رواية صحيحة او رواية موثوقة أو حسنة معتبرة أو احتفت بها قرائن أو نحوه ، أما في الجانب التأريخي ليس مطلوبًا منا نحن المسلمين أن نُكوّن رؤية تاريخية يقينية ، وانما المطلوب أن نعتمد على بعض النقولات المُعتبرة و ما تؤلف نوعا من الظن و ليس وهمًا أو من نسج الخيال ، نجد العلماء يتساهلون في النقل ولكن من حيث لا تقع في محذور عقلي أو شيء يصطدم مع قضية عقائدية كالعصمة للإمام ، او تتضمن حكمًا شرعيًا ، لكن لما تكون قضية متحمضة في الجانب التاريخي يجوزذلك .
التعليقات (0)