شارك الخطيب الحسيني الشيخ رائد الستري يوم الثاني من شهر المحرم الحرام لعام 1442 هـ ، و تحت عنوان " التكامل العقائدي انطلاقًا من أبعاد الحسين ( ع ) " ، بالآية المباركة من سورة القصص " وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) " ، نتحدث حول بحث يرتبط بالتكامل العقائدي و أبعاد ثورة الإمام الحسين في تحقيق ذلك ، أولًا : ارتباط الجانب العقائدي بالبعد السلوكي عند الإنسان المسلم ، ثانيًا : سير الأئمة لتحقيق التكامل العقائدي ، ثالثًا : البعد الذي رمى اليه الإمام الحسين ( ع ) في ربط قضيته بالإمام المنتظر ( عج ) تحقيقًا للتكامل العقائدي .
أولًا : ارتباط الجانب العقائدي بالبعد السلوكي عند الإنسان المسلم ، ينبغي أولًا أن نعرف أقسام الدين ، حيث يذكر العلماء بأن الدين له قسمين أساسيين ، قسم يرتبط بالجانب العقائدي و قسم يرتبط بالجانب السلوكي ، و يعبر الفلاسفة عن ذلك أن القسم الأول هو مجموعة من الأفكار و العتقدات التي تشكل الرؤية الكونية ، القسم الثاني مجموعة من الأفكار تشكل ايدلوجية الدين الإسلامي ، هناك رؤية كونية وهناك ايدلوجية لكل دين ، ما هي الرؤية الكونية ؟ نجد تعريفًا عند علماؤنا كمثل الشيخ مصباح الزيدي فيقول أن الرؤية الكونية مجموعة من المعتقدات والنظرات الكونية المتناسقة حول الكون و الإنسان بل وحول الوجود ، الأستاذ مطهري يقول بأن الرؤية الكونية هي الأساس و الخلفية الفكرية التي يستند اليها اعتقاد معين ليصيغ بها نظرته الى الكون و الوجود و يقوم بتفسيره و تحليله .
الإنسان لما يُقلّب نظره في هذا الكون ، تكون في ذهنه عدة أسئلة يريد لها اجابة و تحليل ، وهذه الأسئلة كثيرة حول الوجود ، و أهمها ثلاثة أسئلة ، السؤال الأول يرتبط بمبدأ هذا الكون أي بمُوجِدِه ، و السؤال الثاني يرتبط بمسير هذا الكون ، أي ما هي الغاية من وجود هذا الوجود ؟ و السؤال الثالث ما هو المصير بعد هذه الحياة الدنيا ؟ فهنا مجموعة من الأسئلة نجد فيها قاسمًا مشتركًا يرتبط بمطالبات تريد منا أن نفسر وجود الكون و الإنسان ، وهنا اي دين لمّا يقدم تفسيرًا و توضيحًا لذلك فإنه يشكل الرؤية الكونية في ذلك الدين ، و يتفرّع على الرؤية الكونية جانبًا عمليًا .
مثال على ذلك أن الدين الإسلامي يُقدم اجابات على تلك الأسئلة ، أولًا المُوجِدُ هو الله سبحانه و تعالى لهذا الكون ، فنجد عقيدة التوحيد تُقدم لنا تفسيرات مرتبطة بأصل الوجود ، و هذه العقيدة تقدم نظرة و معرفة وبنية عقلية و تفسيرًا لمبدأ الكون . النبوةُ و الإمامةُ تُقدّم اجاباتًا على أسئلة السبب عن وجود الإنسان ، وذلك عن لسان رسل الله و أولياءه أن نتكامل ونتسامى و نحاول أن نرتقي بأرواحنا في كمالٍ مُتصاعدٍ في سيرِ لقوسِ صعوديِّ وصولًا لله تعالى . أما المعادُ يُقدم اجاباتًا ترتبط بالمصير أي بالعاقبةِ بعد هذا الوجود ، ومن بعد ذلك يقدم لنا المعاد تفاصيل البرزخ و كيفية الحساب و الصراط .
نجد أن المعتقدات تلامس الجانب الوجودي ، ولما تتحصل البنية المعرفية في عقل الإنسان ، ينبني سلوكٌ و عملٌ ، وهذا السلوك يكون منسجمًا مع العقيدة وما يسمى بالأيدلوجية . الإنسان المؤمن بقضية الحسين يتصدّق و يبذل المال و يسافر للزيارة ، و لما تعكس المعتقد ، نجد أن الفكرة العملية و السلوكية تنعكس ، فمن لا يؤمن بالإمام الحسين ( ع ) يرى في هذا البذل إسرافًا و تبذيرًا ، والنتيجة أن الجانب الإعتقادي يرتبط بالجانب السلوكي ، متى ما صلح المعتقد صلح السلوك و متى ما فسد المعتقد فسد السلوك ، وهذه العلاقة عبّر عنها الله سبحانه و تعالى في مواقع متعددة ، من سورة الحاقة " إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ " ، عدم الإيمان ساوقه عدم الإقتناع بالإحسان الى اليتيم و نحوه ، و لكي تُصحح السلوك في كثير من الأحيان ينبغي أن تعالج البنية المعرفية و الإعتقادية .
من سورة الرحمن " هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60) " حتى لو صلحت بشكل جزئي ، أي أن ترتبط بقضية عقلية تتساوى بين العقلاء ، من سورة الماعون " أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) " ، ومن سورة الفرقان " وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا (67) " نجد حالة من الإستقامة في السلوك و هذا ارتباط للجانب العملي بالجانب العقلي . نقطة البحث هو أن التكامل العقائدي يعني انه لما ننظر الى عقائدنا نجدها متكاملة ، فكل عقيدة تُكمل العقيدة الأخرى ، ولا يوجد بينهم أي تصادم و اختلاف بل نوع من الإتحاد و اتساق و تناسق ، مثلًا إن الإعقاد بالله يعطي صفاتًا لله من عدل و احسان و علم ، ولما نأتي الى رسوله ( ص ) ، نجد اتساقًا و تناسقًا و توافقًا في الصفات مع العقيدة الأولى ، وليس ذلك فحسب بل كل عقيدةٍ و تشريعٍ يُعطي تكاملًا أيضًا ، الله كاملٌ و الرسول ( ص ) كاملٌ و يدعونا للتكامل ، النبي يمارس نوعًا من تكميل الغرض و الغاية عند الله تعالى ، و العقائد كأنما هي عقدٌ نُسج و رُبط بخيطٍ يجمعها جميعًا .
ثورة الإمام الحسين عليه السلام سارت على مثل الفكرة و هي فكرة التكامل العقائدي ، الله تعالى يريد لها أن تكمل و تتحقق ، و اقامة الدين و الشريعة و احياء الإسلام وتحقيق أغراضه لا يكون الا من ضمن دولة ، من سورة القصص "وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) " أي الإستخلاف وهي جنبة عقائدية مهمة مرتبطة بحياة الثقل الآخر . وهذا الإستخلاف يوصلنا الى مرحلة تكاملية أعلى ، ولذلك روايات دولة الإمام المنتظر تروي ما يعيشه المؤمنون من ارتقاء و سمو . الإمام الحسين تحرّك لتحقيق التكامل العقائدي ، الإمام الحسين في تحركه كان عنده أهداف وأغراض متعددة أحدها الإصلاح .
أيضًا هناك هدفٌ آخر نريد التركيز عليه وهو التكامل العقائدي ووجوده في عقول المؤمنين وصولًا للإمام الحجة ( عج ) ، الهدف الأول هو تحقيق دولة الحق ولكن نسبة نجاح هذا الهدف كانت ضئيلة وقد كان ذلك بعلم الإمام ، الهدف الثاني وجد الإمام انه اذا يترك القضية ستبتعد الأمة عن الدين و قيمه و مفاهيمه و تعود في خذلان الأنبياء و الأولياء ، فلو لم يقم الإمام لم تتهيأ الفرص لقيام دولة الإمام الحجة ( عج ) ولذلك الخذلان الذي تعرّض له كأنما أحدث وعيًا عقائديًا يرتبط بنصرة الإمام والولي ، و نفوس المؤمنين تواقة و مشتاقة لظهوره ( عج ) و نصرته و الوقوف معه و عدم تعرضه ( عج ) لذات الخذلان الذي تعرّض له الحسين ( ع ) ، وهو تهيأة الأجيال لنصرته ( عج ) . ونجد الرويات ما يدل على ذلك " فإن الحسين عليه السلام لما قتل عجت السماوات والأرض ومن عليهما والملائكة، فقالوا: يا ربنا ائذن لنا في هلاك الخلق حتى نجدهم عن جديد الأرض بما استحلوا حرمتك، وقتلوا صفوتك، فأوحى الله إليهم يا ملائكتي ويا سماواتي ويا أرضي اسكنوا، ثم كشف حجابا من الحجب فإذا خلفه محمد صلى الله عليه وآله واثنا عشر وصيا له عليهم السلام وأخذ بيد فلان القائم ( فلان : الكتب تخفي اسم الإمام المنتظر ) من بينهم، فقال: يا ملائكتي ويا سماواتي ويا أرضي بهذا أنتصر [لهذا] "
التعليقات (0)