شارك هذا الموضوع

السيد عدنان الكراني في ليلة الثاني من شهر محرم الحرام لعام 1442هــ

شارك الخطيب الحسيني السيد عدنان الكراني في ليلة الثاني من شهر المحرم الحرام لعام 1442 هـ ، و تحت عنوان " الجبر " ابتدأ سماحته بالآية المباركة من سورة البقرة " خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) " ، قد يتبين من ظاهر هذه الآية أنه يوحي بالجبر ، ويمكن أن الله تعالى جبر الإنسان على فعل معين ، لكن نطرح سؤالًا هل يمكن أن لا يعطي الله الإنسان قابلية فهم الدليل ؟ و هل يصح أن يعذبه الله ؟ أو أن يجبره على فعل أمر معين ثم يجزيه أو يعذبه . هذا الأمر يتعارض مع عدل الله تعالى ، اذ ليس من عدله أن يجبر الإنسان على فعل معين ثم يتوعده بالنار أو يثيبه بالجنة ، نحن لا نقر بالجبر ولا ما يقابله من التفويض ، الكتب السماوية و القوانين لا تقر بالجبر وتتبرأ منه ، و هذا راجع على أن الإنسان المجبور حريته مصادرة و ذلك يصادر انسايته ، حرية الإنسان ليست بمعنى أنها حرية بمعزل عن الله ، كما ذهب اليه المفوضة .

الجبريون يقولون أن الإنسان في أفعاله و حركاته و سكناته وكل فعل يصدر منه هو مجبور فيه ، بل حتى حركات جسمه ، و المفوضة على نقيض من المجبرة ، فيقولون بان الإنسان في كل أفعاله و تروكاته في معزل عن الله تعالى ولا يوجد أي تأثير عليه و يفعل ما يريد ، و هذا اللغط في انهم فهموا المسألة إما بالجبر او بالتفويض ، و هذا الأمر تم الإساءة اليه ، حيث هناك عوامل ثانوية منها العامل السياسي ، نجد أن فكرة الجبر بدأت فكرة سياسية ثم تطورت و أصبحت اعتقادًا يسير الناس من خلاله حيث يقول ذاك " ما قاتلتكم لتصوموا ولا لتصلوا ولا لتحجوا ولا لتزكوا ، قد عرفت انكم تفعلون ذلك ، ولكن إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم ، فقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون " ثم ذهبت مدرسة أخرى الى أن جبرية التأريخ تتحكم بمصائر الناس و أنهم مجبورون عليه و عليهم بالصبر ، العامل الثاني هو العامل النفسي ، و هي ناتج من مجموعة من الكسالى و من لا يريدون الحركة و السعي ، فيتعللون بعدم نجاحهم الى الجبر و القدر و لما لا يوفق الإنسان يلقي بذلك على ان الله كتب له الشقاء في الدنيا و أن الله جبره عليه ، و هذا بعيد عن تفكير الإسلام .

الإسلام مجتمع يعمل و يبذل و ينهض ، و هذه أفكار دخيلة ، " من جد وجد، ومن زرع حصد " و " مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة ". اعمل وسوف تجد التسديد من الله ، العامل الثالث هو العامل الإجتماعي ، و نقصد به أنه هناك جماعة من الناس تريد أن تشبع الرغبات الحيوانية لديهم ، فيعملون على اقناع أنفسهم بأنهم غير مذنبين و الناس يقنعونهم بأنهم على جانب من البراءة في ذلك . الإنسان يمتلك زمام نفسه و هو ليس كالحيوان ، من سورة الإسراء " وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70) " ، ومن سورة هود "إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (56) " الدابة أو الحيوان مبرمج على وجود شهوة فقط ، اما الإنسان فلديه العقل الذي كرمه الله تعالى به ، لكن لما يغلب الهوى و الميل فيكون ليس للإنسان أمرٌ من الإختيار .

هذه الأمور الثلاثة اخترعها الناس لسد رغباتهم وتبرير اعمالهم و ليس للإسلام شيء في ذلك ، نرد على أصحاب هذا الفكر في جانبين ، الأول أن الإنسان حينما ينكر كل الحقائق - وان استطاع أن ينكر كل شيء - لكن هناك أمرٌ لا يستطيع نكرانه وهو أن المجتمعات البشرية - مهما اختلفت و تعددت ، غنية أو فقيرة ، عابدة لله أو كافرة به ، متقدمة أو متأخرة - تقر بوجود قانونًا و نظامًا يعمل على حفظ المجتمع و بقائه و استقراره ، و هو أن كل فردٍ من أفراد المجتمع مسؤولٌ امامه ، وحينما يأتي بخطأ تجب معاقبته بما يتناسب مع ذنبه ، فهذا يعني ان الإنسان غير مجبور .

من جانب آخر مسألة وجود العقائد و الثوابت الإسلامية ، القرآن يبين في الكثير من الآيات ، من سورة الزلزلة " فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) " من سورة الطور " وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ۚ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) " " ، " ، من سورة الإنسان " إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) " الإنسان يمتلك كامل الحرية في الإختيار و كامل الإرادة في أن يمضي أو يتوقف ، و الجبر يبطل لنا المفاهيم الإسلامية و يبطل الجنة و النار ، لكن قد يقول البعض ، من سورة التكوير " وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29) " مشيئة الإنسان - وان كان يمتلكها - الا أنها ليست بمعزل عن الله ، فالله يوفق الإنسان و ان أمسك عنه لا يُوفق أبدًا . الله عالمٌ بكل شيء و مشيئته مسيطرة على كل شيء ، فالآية المتقدمة لا تعني بالجبر ، بل المفسرون يقولون أن الله سابقٌ في العلم الإلهي ، فيعرف أحوال عباده ، و ما يفكر فيه و ما يريد أن يعمل ، السجاد عليه السلام يقول " عميَتْ عينٌ لا تراكَ عليها رقيبا " ، فهو أقرب الى الإنسان من حبل الوريد .

في تكملة الآية " وعلى سمعهم و على أبصارهم " من تفسير تقديم السمع على الأبصار ، فمن الممكن أن يُؤخذ على أن الإنسان لا يُرى الا عن طريق واحد و عن وسيط فلو ذهب النور لا يرى ، و السمع كذلك لكن خطورة السمع في ذلك أعظم من البصر لأن الإنسان وان استمع من مراحل متعددة لكن حينما يتوقف سمعه فان مسألة الظن تعمل عنده ، مسألة التبين مسألة مهمة و خطيرة ، و قتلة الإمام الحسين ( ع ) لم يوجهوا أسماعهم و أبصارهم الى صلاح أمرهم ، انما يوجهونها الى النقص و العيب حتى يعملوا على استنقاص الناس و العمل على اكراههم وجبرهم ، " الغشاوة " هي الحاجب و انما ابتلاهم الله به بملأ ارادتهم و اختيارهم . من سورة البقرة " وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) " ولم يقل الكافرين ، لأنهم ظلموا أنفسهم و ضيعوا البوصلة الصحيحة ، الله أعطى الإنسان الدليل و العقل و أيده بمرشد و بعث الأئمة و الأنبياء ، وبين للإنسان شواهد و كرامات في المجتمع .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع