شارك الخطيب الحسيني السيد عدنان الكراني في ليلة الحادي من شهر المحرم الحرام لعام 1442 هـ ، و تحت عنوان " الشهر الحرام و القصاص " ابتدأ سماحته بالآية المباركة من سورة البقرة " الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ۚ فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)" ، الآية الكريمة تبين الحكمة من جعل الأشهر الحرم ، ومن لا يفهم معنى الشهر الحرام قد تخفى عليه الكثير من الخصوصيات ، فيختلف المفسر العربي مع غيره من المفسرين ، وهذا راجع الى أن الألفاظ تكمن من ورائه المعاني . فمن لا يعرف فقه اللغة العربية لا يعرف معنى الشهر الحرام ولا العلة من جعل هذه الأشهر حرمًا .
في فترة ما قبل الإسلام ، كان الوضع الإقتصادي في الجزيرة العربية قائمٌ على بحر من الدماء وان كان في المجتمع بعض من المهن في التجارة الا ان السلب كان غالبًا على ذلك ، بل من كان يعمل في حرفة معينة و يكد عليها يُعتبر جبانًا . و أن أفضل طريقًا يتحصل الانسان عليه طعامه هو السيف و النهب و قطع الطريق وهذا أمر يتفاخر به العرب قبل الإسلام ، وهذا التأمل في هذا المحيط يُحتّم علينا أن ينتقل الإسلام بهم من مستوى الحيوانية الى الإنسانية و العقلائية ، أن يحكم الإسلام بحرمة الأشهر الأربعة وهي ذي القعدة و ذي الحجة ومحرم و رجب ، فيحرم أخذ الثأر و الحرب و الإعتداء بين المسلمين و بين القبائل العربية . فقد وضع الإسلام علاجًا تدريجيًا ، فعندما تتمسك العادات و التقاليد في طبع الإنسان يكون من العسير تبديلها بين ليلة و ضحاها ، كما يعالج الطبيب المريض .
الإسلام في وضعه للعلاج التدريجي يريد بهم أن ينتقلوا من مستوى الوقوف عند العادات و التقاليد الى مستوى التفكير و العقل ، وحينما شرع الإسلام الأشهر الحرم لم تكن وليدة الإسلام ، بل ان الإسلام وجدهم يمارسون بعض الأفعال التي يقرها العقل ولا نقصد بالعقل من يتأثر بالعواطف و الأحاسيس ، بل بالعقل الجمعي ، كأن يحكم العقب الكذب بالقبيح و الصدق بالحسن ، لا قلب الكذب صدق للمحافظة على المصلحة الشخصية و الزمانية ، فوجد الإسلام ان الأشهر الحرم يتوافق مع العقل الجمعي ، مصادر التشريع هي القرآن و سنة رسول الله ( ص ) من قول و فعل و تقرير ، و البعض يذهب الى العقل و الإجماع .
الآية الكريمة في " والحرمات قصاص " تبين أن سفك الدماء حرام من دون وجه حق ، و من يسفك دم بشري واحد فكأنما قتل الناس جميعاً و العكس من أحيى نفسًا فكأنما أحيى الناس جميعًا ، و القرآن يبين المجال فيه وكامل الحق في رد الإعتداء و القصاص ، وهذا ليس أن المسلم رخوًا في المجتمع بل أن يجمع هذه البطولة و ان يقوم به في ظرف يحتاجه المجتمع و الإسلام ، فلو قام كل من اعتدي عليه يقوم بالرد من دون رعاية الظروف لاختل النظام ، انما أراد الإسلام أن يضبط سلوك المجتمع و الرقي به .
علماء الأصول في الشيعة لديهم قاعدة " ان المورد لا يخصص الوارد " ومعناته انه اذا نزلت آية كريمة وتناولت حكمًا معينًا في قضية خاصة ، لا يقتصر الحكم على ذلك الموضوع بل بالإمكان تعديه الى موضوع آخر ، وهذا يختلف مع القياس الغير معمول به عند الشيعة ، بل وحدة الهدف و الملاك . وهو ما جاءت به الآية الكريمة " وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) " فلم تنزل الآية في سارق بعينه و موضوع خاص ، وانما كل سارق تنطبق عليه الشروط و الأحكام الإسلامية ، وكذلك الآية في العداء ، فالإنسان يمتلك الحرية وهي ليست على نحو الوجوب ، وانما اذا اعتدى عليك أحد فانك تمتلك أمرًا بالإباحة .
التعليقات (0)