شارك الخطيب الحسيني الدكتور عبدالله الديهي في المجلس الذي أقامته حسينية الحاج أحمد بن خميس وذلك في ليلة الخامس عشر من شهر شوال و التي تصادف ذكرى استشهاد الحمزة بن عبدالمطلب ، حيث ابتدأ سماحته بالآية الشريفة من سورة الأحزاب " مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) " . مقدمة و هي إطلالة على الآية المتقدمة ، المعاهدة بينهم و بين الله على أمرين ، الأول الجهاد في سبيل الله ، و الثاني الثبات في ميدان الجهاد للحصول على إحدى الحسنيين ، إما النصر واما الشهادة ، منهم من قضى نحبه اشارة الى من استشهدوا في معركة بدر ومنهم من ينتظر ، أي بقوا على جهادهم و ثباتهم الى ان نالوا الشهادة ، و نذكر منهم ثلاثة ، الأول النضر الذي كان يُعرف من بين أصحاب النبي ( ص ) حيث لم يتمكن من حضور معركة بدر ، وكان يتأسف و يقول " غبت عن مشهد شهده رسول الله - يقصد يوم بدر - والله لو أراني الله مشهدًا من مشاهد رسول الله ( ص ) لأصنع بالمشركين ما أصنع " فشهد معركة أحد و لقيه سعد بن معاذ و حمل على القوم الى أن سقط شهيدًا ووجد في جسده بضع و ثمانون بين طعنة وضربة و رمية . الثاني هو علي بن أبي طالب ( ع ) و الذي شارك في حروب رسول الله ( ص ) كلها ما عدا غزوة تبوك ، الثالث هو الحمزة بن عبد المطلب و قد استجاب الله له ، بأن جعل شهادته في يوم أحد
لا شك و لا ريب أن نفسيات الآباء و الأجداد هي ما ينطبع به الأبناء و الأحفاد ، في ناحية ايجابية كالكرم و الشجاعة أو ناحية سلبية كالخسة ، و هذا يتجلى في الجيل الأول و الثاني و لربما يصل الى بقية الأجيال ، فآباء حمزة و أجداده يشتركون مع نسب رسول الله ، فهو عمه ، ويقال أن عُمر الحمزة و رسول الله متقاربان . من عدنان ثم معد الذي نجاه الله من واقعة بختنصر حيث رُفع الى الشام ثم أُرجع ، وهكذا الياس كان اول من ظفر بمقام ابراهيم ، ثم مظر بن فهر ، الى كعب بن عدي حيث كان يدعو الى إكرام بيت الله و عدم مفارقته ، ثم الى عبد مناف و هاشم و عبدالمطلب ، كل الآباء و الأجداد مؤمنون بالتوحيد و الإبراهيمية و يحاربون الفساد و الظلم . الحديث عن الحمزة لا ينفصل عن الحديث عن أبي طالب حيث كانا نصيرا رسول الله منذ البداية و نستشهد على ذلك بعدة أمور ، من جملة الامور أن قريش عرضت رسول الله ( ص ) بشتى أنواع الأذى و المعارضات فصبر معه الحمزة و أبو طالب .و لما كان النبي ( ص ) في المسجد الحرام وعليه ثياب له جدد فألقى المشركون عليه سلا ناقة فملؤوا ثيابه بها، فدخله من ذلك ما شاء الله فذهب إلى أبي طالب فقال له: يا عم كيف ترى حسبي فيكم؟ فقال له: وما ذا يا ابن أخي؟ فأخبره الخبر، فدعا أبو طالب حمزة وأخذ السيف وقال لحمزة: خذ السلا ثم توجه إلى القوم والنبي معه فأتى قريشا وهم حول الكعبة، فلما رأوه عرفوا الشر في وجهه، ثم قال لحمزة: أمر السلا على سبالهم ففعل ذلك حتى أتى على آخرهم . و الموقف الثاني لما صبر رسول الله (ص) على لطمة أبي جهل ثم أقبل الحمزة على دار أبي جهل و ضربه .
عطاءات كثيرة للحمزة إضافة الى مشاركته في مكة ، تجلّت عطاءاته في يثرب ، حيث لما هاجر النبي ( ص ) ووقفت قريش في طريقه ، كانت أول سرية بقيادة الحمزة ، والمراد من السرية دعوة قريش الى الإسلام و ليس الحرب ، و إظهار القوة العسكرية للنبي ( ص) و عملية ارهاب للمشركين ، العطاء الثاني بعد واقعة بدر و هي الفاتح للانتصارات الإسلامية و قد عبر عنها القرآن بالفرقان ، و هنالك ابتلي المؤمنون وصبروا أمام قوة قريش العددية و العسكرية ، و لكن حينما تمر بهذه الواقعة ، هناك بطلان يمثلان البطولة الخارقة وهما البطل الهاشمي الذي لم يتجاوز العشرين و هو أمير المؤمنين ، و البطل الثاني من له صولة و غضبة و هو الحمزة بن عبد المطلب ، حيث يمثلان الجناحان اللذان طار بهما رسول الله ( ص ) نحو الإنتصار ، و أنهما قاما بمصارع أربعة يمثلون الأركان المهمة في جيش المشركين و على رأسهم حامل اللواء عتبة بن ربيعة و حنضلة بن أبي سفيان و و الوليد بن عقبة و العاص بن سعيد . الموقف الثالث ان ايمان ابي طالب كان مكتوما لمصلحة الدعوة الاسلامية اما الحمزة كان مجاهرا في اسلامه و اعلان اسلامه .
من لؤم أعدائه و خصوصًا هند و أبي سفيان حيث حدثت نكسة في جيش المسلمين بأحد ، و ذلك لعدم امتثال البعض لقول الرسول ( ص ) و طمعهم لجمع الغنائم و التي استغلها جنود و قادة المشركين و أعمدوا السيوف في المسلمين ، و الهزيمة النفسية حينما شاعت الأخبار بأن محمد ( ص ) قد قُتل ، فر جيش المسلمين من ميدان المعركة ، حيث كان بعضهم يصعد الجبل كالأروى ، و البعض جلس على الجبل يطلب رضوان أبي سفيان ، أخذ الحمزة و علي و القلائل يقاتل دون رسول الله ، فالتفتت هند الى مطعن بن جبير و عبده الوحشي وعمد مطعن الى وعد الوحشي ( الحبشي ) بتحريره بعد قتله الحمزة ، اما هند قد خيرته بين علي (ع) و الحمزة لكنه اختار حمزة لانه لا يلتفت الى الخلف لما يقاتل ، فأخذ يتحين الفرصة فلما تبين به ظهره رماه بحربة ووقعت في ثنيته فسقط صريعًا في ميدان المعركة . وحشية أبي سفيان و هند تتمثل في مواقف عديدة لاسيما بعد مقتل الحمزة ، قامت هند بعدة أمور ، أولًا جدعت أنفه ، و قامت وصلمدت أذنيه ، و عوّرت عينيه ، و أخذت حنجرًا و غرسته في بطنه ، و لم تزل تمثل الوحشية الفضيعة الى أن أخرجت كبد الحمزة فتناولته و أرجعته ليوصفها التاريخ بابن آكلة الأكباد اشارة الى أولادها ، و أما أبو سفيان غرس رمحه في شدق الحمزة عليه السلام ، فرآه الحليس بن علقمة وهو يشد الرمح في شدق حمزة فقال: انظروا إلى من يزعم أنه سيد قريش ما يصنع بعمه الذي صار لحما، وأبو سفيان يقول: ذق يا عقق. وأتت هند وجذعت أنفه واذنه وجعلت في مخنقتها بالذريرة ، وقد حزن رسول الله ( ص ) كثيرًا على استشهاد عمه .
التعليقات (0)