أنهى سماحة السيد المحافظة سلسلة مجالسه الرمضانية و ذلك ليلة الحادي من شهر شوال لعام 1441 هـ بحسينية الحاج أحمد بن خميس - على الفضاء الافتراضي - ، و تحت عنوان " توهّم السب في القرآن " ، لعل الإنسان المؤمن متى ما أراد أن يتحصّل على صفات الإيمان ، حاز على جميل الصفات و نزه نفسه عن المذموم من الصفات ، ومن تلك الصفات : الفحش أو قلة الحياء ، يجب على الإنسان أن ينزه نفسه عن الفحش أو البذاءة أو السب أو الشتم لأنه لا حاجة له اليها ، فهي تدل على الشخص المفلس و من لا حكمة له و عقل . فيلجأ الى رفع الصوت و الشتم ، فيُطهر المؤمن لسانه من هذه اللوثة .
الفحش من الكلام هو ما استقبح من القول كالشتم و السب واللعن باتجاه المسلم و التعيير و انتهاك الشخصية و حط الكرامة وهي قلة الحياء ، و قد وردت الكثير من الروايات التي أجمع عليها أهل الأخلاق ، بحرمة سب المؤمن لأخيه المؤمن و المؤمن بعيد عن تلك الصفة ، من روايات الذم " إن الله حرّم الجنّة على كل فحّاش بذيء ، قليل الحياء ، لا يبالي ما قال ولا ما قيل ، و عن الباقر ( ع ) " إن الله يُبغِض الفاحش المتفحش " ، وهناك روايات دلّت على ارتباط الكلمة الفاحشة بعالم التكوين ، و أنها تؤدي الى بعض الآثار و التداعيات على رزقه و بيته ، فيكون حاجبًا بينك و بين الله " من فحش على أخيه المسلم نزع الله منه بركة رزقه ، ووكله إلى نفسه وأفسد عليه معيشته " .
السؤال الأساسي هل يجوز سب أو لعن الآخر وهو من يختلف معنا في اللغة أو القومية أو المذهب أو الدين . انقسم أهل الكلام من العلماء و المهتمين الى قسمين ، منهم من جوّز ومنهم من حرّم ، قالوا من يجوز بأن هذا هو مسلك القرآن وتوجد في منهجية القرآن " عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ " " كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا " "فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ " ، " وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ " ، " أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا " ، " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا " ، " تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ " ولديهم أدلة أخرى من سورة النساء " لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148) " ومن ضمن ذلك اللعن و يعتقدون بأن تلك الأدلة كافية .
أما من حرّم ذلك فيستند الى الادلة بانه يجب التفريق بين اللعن و السب ، فالسب هو الهتك كما عرفه السيد الخوئي ، فما لم يعتد بهتكًا لم يعتبر سبًا ، أما اللعن هو الدعاء و تمني من الإنسان أن لا يجمع الله بينه و بين هذا الإنسان تحت الرحمة و أن يُطرد من رحمة الله ، وهذا أمرٌ متعارف عليه . فهذا لعن مُتفق عليه ، حيث اذا كان العدو مفسد و مظلم " وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ " ، اما الشتم هو اللفظ القاسي و ينقسم الى قسمين ، اذا ورد اللفظ في مقام الذّم سمي سبًا كأن يقول الإنسان " أنت عقرب " ، اما اذا كان في مقام التربية " لا تكذب .. كي لا تكون عقربًا " فلا يعتبر ذلك سبًا . ولا يوجد سبٌّ في القرآن حيث أن كل الآيات في مقام التربية ، وهكذا رُد على القسم الأول ، اما في تفسير اية " لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ " أي أن يأتي المؤمن بالأمور الودية بينه و بين من ظلمه متى ما استطاع ، ولكن لما تتسكر الأبواب عليه يجيز الشرع له أن يظهر ظلامته أمام الناس لينتصر ، واطلق عليها السوء لأنه فيه فضيحة للآخر
من روائع القرآن ان الله يمثل المنكر و الذنب بلفظ قاسٍ يتقزز منه الإنسان لتركه ، من سورة القلم " وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ " السب المتوهم في القرآن معارض في الآية الكريمة في سورة الأنعام " وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ " حيث كان بعض المسلمين يسبوا أصنام المسلمين ، ولكن الآية نهتهم عن ذلك لانه يقود الى شيء أضر على الدين ، وقد قال المحرمون بأن أسلوب القرآن واضح وأنه في مقام التربية و التخويف و منهج القرآن " وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ " ، و " ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " ، " وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ " .
من كلام علي عليه السلام و قد سمع قوما من أصحابه يسبّون أهل الشام أيام حربهم بصفين : " إِنِّي أَكْرَهُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ وَ لَكِنَّكُمْ لَوْ وَصَفْتُمْ أَعْمَالَهُمْ وَ ذَكَرْتُمْ حَالَهُمْ كَانَ أَصْوَبَ فِي اَلْقَوْلِ وَ أَبْلَغَ فِي اَلْعُذْرِ وَ قُلْتُمْ مَكَانَ سَبِّكُمْ إِيَّاهُمْ اَللَّهُمَّ اِحْقِنْ دِمَاءَنَا وَ دِمَاءَهُمْ وَ أَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَ بَيْنِهِمْ وَ اِهْدِهِمْ مِنْ ضَلاَلَتِهِمْ حَتَّى يَعْرِفَ اَلْحَقَّ مَنْ جَهِلَهُ " هناك العديد من الطرق ، فلا نحتاج الى السب و الشتم ، فلا تلتفتوا الى من يحرضكم الى السب فهو يسير في مسار التوهم و الخيالات ، فهي ليست من أخلاق مدرسة أهل البيت ( ع ) . البعض يحتج على خطبة السيدة زينب ، حيث قالت " أَمِنَ الْعَدْلِ يَا ابْنَ الطُّلَقَاءِ تَخْدِيرُكَ حَرَائِرَكَ وَسَوْقُكَ بَنَاتِ رَسُولِ اللَّهِ سَبَايَا؟ " فالبعض يرفض الرواية و البعض يحج عليها ، و هنا نقول بأن السيدة زينب أتت بهذا القول أسوة برسول الله ( ص ) حيث قال " اذهبوا فأنتم طلقاء " وواجهت السيدة زينب اذاعة و إشاعة بأنهم خوارج فهكذا ردت عليها السلام . وكأن بها تقول أنسيت أن جدي رسول الله ( ص ) قدم معروفًا لك بإطلاق سرائح آباءك ، فاقتبست مقطعًا من كلامه وهذا يدل على حكمتها عليها السلام .
التعليقات (0)