أنهى سماحة السيد المحافظة سلسلة مجالسه الرمضانية و ذلك ليلة الثلاثين من شهر رمضان لعام 1441 هـ بحسينية الحاج أحمد بن خميس - على الفضاء الافتراضي - ، و تحت عنوان " كي لايكون دُولة بين الأغنياء منكم. " ، من سورة الحشر " مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)" . اعتاد أهل الجاهلية اذا غارت قبيلة على قبيلة أخرى فغنمت بها بعض الغنائم بتخصيص ربعها الى القائد ، و الباقي لرؤساء الجيش ، ولا شيء لبقية الجنود ، أما بعد غزوة النضير حيث كانوا يتميزون بثروات ضخمة و كانت مغرية ، أتى زعماء المسلمين على غرار ما سرت عليه عادتهم و قالوا للرسول ( ص ) بأن يأخذ الربع و يترك الباقي لهم ، فنزلت الآية الكريمة ، حيث هذا التقسيم يكرّس للطبقية و يحرّك الأموال في جيوب الرؤساء فحسب ، حيث ألغى الإسلام في اقتصاده هذا الأمر و أراد للأموال أن تتحرك في جميع الإتجاهات .
في النظام الرأسمالي تكون الأموال عند طبقة واحدة و يموت الفقير أو يجمع الثروات بطريقته الخاصة من نهب ودجل و الخداع ، و النظام الإشتراكي كذلك الذي يدعي المساواة لكنه ليس بالعدل ، و جاء الإقتصاد الإسلامي ليتحدى جميع الأنظمة الإقتصادية الأخرى ، حيث يوصل جميع الأموال و يوزع الثروات لجميع الناس . و قد ناقش الدكتور عبدالهادي الفضلي في كتابه (مشكلة الفقر) هذا الأمر وقال ان الإسلام جاء بنظرية سد الفقر و العوز ، و أي ثغرة تكون في طبقات المسلمين من الشيوخ و الأرامل أو من أصابته العاهة تولد حاجة يقوم الإسلام بسدها ، فالإقتصاد الإسلامي اقتصاد محكم و يوجد هدف عام أن تتحرك الأموال في حميع الإتجاهات ، و يتحقق من خلال نظرية سد العجر و العوز .
هناك اجراءات تكفل تحقيق اقتصاد اسلامي محكم ، أولًا أن الإسلام حث على العمل و الإستثمار و التجارة ، بل و أبغض المُتّكل العوّال الذي لا يعمل ، واعتمد على المساعدات بدون عمل ، ورد عن الكاظم ( ع ) " إن الله تعالى ليبغض العبد النوام " ، فلا يجتهد في الدراسة أو في طلب الرزق ، ثانيًا الإسلام دعى الى الضمان و التزام الدولة بسد عوز وعجز كل من ينقطع رزقه ، أي ما نسميه التقاعد أو التأمين ضد البطالة أو الترمّل ، و لنا الفخر بأن يكون أول من أسس للضمان هو الإمام علي ( ع ) حيث لمّا مر شيخ مكفوف كبير يسأل ، فقال أمير المؤمنين (ع): ما هذا؟ قالوا: يا أمير المؤمنين نصراني، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه ، أنفقوا عليه من بيت المال .
المادة 25 من حقوق الإنسان يقول نصها " المادة 25.(1) لكلِّ شخص حقٌّ في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصَّةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحقُّ في ما يأمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمُّل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه. " ، وقد قال أمير المؤمنين في عهده لمالك الأشتر " ثمَّ اللَّهَ اللَّهَ فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى ، مِنَ الَّذِينَ لا حِيلَةَ لَهُمْ : مِنَ الْمَسَاكِينِ والْمُحْتَاجِينَ وأَهْلِ الْبُؤْسَ (شدة الفقر) والزَّمْنَ (أصحاب العاهات) ؛ فَإِنَّ فِي هَذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً ومُعْتَرّاً . واحْفَظِ لِلَّهِ مَا اسْتَحْفَظَكَ مِنْ حَقِّهِ فِيهِمْ " ، القانع هو من لا يسأل و المعتر هو من يسأل . فيوصينا أمير المؤمنين أن ننتبه الى تلك الطبقة .
ولذلك دعى الإمام علي ( ع ) الى تشكيل فرق عمل و الى الاستقصاء و السؤال و عمل دراسة جدوى لتصل الى من لا يتكلم ، حيث يكمل في وصيته الى مالك الأشتر " وتفقد أمور من لا يصل إليك منهم ممن تقتحمه العيون وتحقره الرجال ، ففرغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع ، فليرفع إليك أمورهم . ثم اعمل فيهم بالإعذار إلى الله يوم تلقاه ، فإن هؤلاء من بين الرعية أحوج إلى الإنصاف من غيرهم " . مقت الإسلام العوال و الإتكالي ، و هناك رواية عن رسول الله " لا تحل الصدق لغني ولا لذي مرة ( اي من له استعداد للعمل ، ولا لمحترف ( أي من له حرفة ) ولا لقوي " فلو تعود تلك الطبقة على الإعانات فإن ذلك يقتل الإقتصادي الإسلامي .
من الاجراءات التي تكرّس الى نظام سد العوز هو التكافل ، و هذه أيام محنة فهناك من انقطع رزقه ، فلا تنتظر أن يمد يده ، لأنه كريم و عزيز وهذا من تكليف الجميع و الدولة و الجمعيات . يقول الشيخ عبدالهادي الفضلي ان التكافل هو فرض كفاية فيأثم الجميع لو تركه الجميع ، فلا ينبغي للمؤمنين أن يبقوا مكتوفي الأيدي و يعوّل كل منهم على الآخر و الدولة ، " إنما المؤمنين أخوة " ، " وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ " وعن النبي ( ص ) " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا " ، و " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " . عن الحديث القدسي " ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به "
من الإجراءات أيضًا هي الفروض المالية ، هناك زكاة عامة و زكاة الفطرة و الخمس و فروض الإرث و القرض الحسن و الصدقات العامة ، فتعالج الكثير من قضايا الحاجة و تنمي و تحرك الأموال في جميع الإتجاهات ، يشكك البعض في أن حالات الفقر كثيرة في بلدان الإسلامي مما يثير الريب في نظام الإسلام و اقتصاده ، فيكون الجواب أن القضية ليست في نظام الإسلام ، بل في من يوجد الخلل حيث لا يدفع النفقة الواجبة الى زوجته و لا يقسم الإرث بالشكل الصحيح و لا توزع بعض الجهات الصدقات بشكل عادل ، و لم يؤد البعض الخمس أو الزكاة فهي قضية تنفيذية . الإسلام أوجب النفقة في ثلاث جهات ، أولًا نفقة الزوج على زوجته ، ثانيًا نفقة الأب على أولاده ، ثالثًا نفقة الأولاد على أبيهم وهو ما يغفل عنه الكثير . من جهة أخرى أراد الإسلام أن يُحصن و يحفظ و يقي هذا النظام ، حيث حرّم الربا و حرّم الإحتكار و حرّم الغش و الغبن و الإستغلال و السرقة ، لربما أحدهم يحتكر و يستغل حاجة الناس برفع الأسعار أو التحكم بالسوق فذلك من المحرّمات .
التعليقات (0)