شارك هذا الموضوع

ملخص المجلس الرمضاني ليلة 25 رمضان 1441 هـ / السيد ميثم المحافظة / الحرية الشخصية وأُطرها العامة

واصل سماحة السيد المحافظة سلسلة مجالسه الرمضانية و ذلك ليلة الخامس و العشرين من شهر رمضان لعام 1441 هـ بحسينية الحاج أحمد بن خميس - على الفضاء الافتراضي - ، و تحت عنوان " الحرية الشخصية وأُطرها العامة " ، في مقدمة لهذا الموضوع ، سمعنا في مثل هذه الأيام المعاصرة الى خطابات من بعض الشباب والشابات تدعو بالحرية وفعل ما يحلو لهم ، وليس من شأن أحد أن يقف أمامه ، ودعوا الخلق للخالق . فما مفهوم الحرية التي يستغلها الكثير في الإتجاه السلبي و خلق مفهومها مع اللا نظام و البعثرة و الفوضى .

يقول السيد محمد باقر الحكيم في تعريفه للحرية بان لا يوجد تعريف متفق عليه للحرية ، الا أن الغرب يعرفها انها استعباد الغير للآخر ، و في الإسلام انقسموا الى ثلاثة أقسام ، الأول هو الفكاك من قيود النفس الأمّارة بالسوء و استشهدوا بذلك بقول الإمام علي ( ع ) : " لا يسترقنك الطمع وقد جعلك الله حرا " ، الثاني : تكلم عن الحرية بمثل ما وصفه الغرب أي الاستعباد ، و قد بذل الإمام زين العابدين ( ع ) الكثير في شراء العبيد و اطلاق سراحهم ، وهذا التعريف أخذ التركيز الأكثر ، واستشهدوا بكلمة أمير المؤمنين " لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا " و رواية أخرى " أيها الناس إن آدم لم يلد عبدا ولا أمة وإن الناس كلهم أحرار ولكن الله خول بعضكم بعضا فمن كان له بلاء فصبر في الخير فلا يمن به على الله عز وجل ألا وقد حضر شئ ونحن مسوون فيه بين الأسود والأحمر " ، الثالث : هو أن الجماعة الواحدة أو التيار الواحد تكون مقيدة في قوانين ما ولا حرية لأعضائها في ذلك ، و الحرية أن لا تتبع أي جماعة أو حزب ، من سورة البقرة " إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) "

تنقسم الحرية الى أقسام عديدة ، حرية فكرية و عقائدية و شخصية و اجتماعية ، فهل الحرية مطلقة مفتوحة ؟ اتفقت كلمة العالم - بغض النظر عن مذاهبهم - أن الحرية خارج عن القانون فوضى و بعثرة و انفلات ، لابد من شيء يحد الحرية ، فلن تستمر أي مؤسسة أو أسرة أو دولة ، لابد من التزام للأنظمة الداخلية و القوانين العامة ، كل فعل خارج نطاق القانون أو النظام او الشرع أو الآداب العامة ليست حرية ، في المادة التاسعة عشر من ميثاق العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية : 1. لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة.2. لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.
3. تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية: (أ) احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، (ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.

هناك أطر عامة يجب أن نلتزم بها ، في الشأن الديني ، هناك قداسة قرآن يجب احترامها ، و هناك قداسة للنبي ( ص ) ، و قداسة لأهل البيت ( ع ) ، و هناك قداسة لأصول الدين من بعث و حياة ومن ضرورات الدين و المذهب ، ولا حوار فيها عن الحريات ، بل عليك أن تتكلم دون ذلك ، لأن في هذا ضرب للنظام الشرعي ، و قد طرحت العديد من الأسئلة في معنى الآية " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) " الإسلام يحترم اختيار الإنسان لمعتقداته و يحترم الكل الآخر فلا يوجد اجبار او اكراه في اعتناق الإسلام ، و الآية واضحة وصريحة في عدم الإكراه في اختيار المعتقدات الدينية . فقد يستغل البعض و لا يقرأ الآية كاملة ، من سورة الأنفال " إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَىٰ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ ۚ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ۙ وَلَٰكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) " . فالله بين لنا الخير من الشر ، لا حجة لك في اختيار ما يسيء لك ، ولكن اذا تم اختيار الدين أصحبت ملتزمًا بقوانين ذلك الدين و لم يحق لك أن تخرج من هذا الدين .

من سورة الكهف " وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) " ، متى ما تحدثنا عن الإلتزام و الإنضباط البعض رُد علينا بهذه الآية ، يقول الطبرسي في مجمع البيان أن الله وكأنه يقول أن ايمانك لا ينفعه ولكن ينفعك أنت أيها العبد فالله غني عن العباد ، ولا يضر الله كفرك ، فنتيجتك هي مسؤولية اختيارك أنت . و الله قد أرسل الرسل لبيان الحق و الباطل و المنافع و المفاسد ، ووهبك الله عز وجل عقلًا يبين لك ما ينفعك و ما يضرك . فمعنى الآية أن الله غني عن العباد ، وقد احتجوا ايضًا بهذه الآية من سورة الكافرون " لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) " و مفهوم الآية بأن بعض المشركين من قريش أتوا الى رسول الله (ص) و أرادوا أن يتوصلوا الى حل وسط ، أن يعبد الههم سنة ويعبدوا الله سنة، كأن الحق فيه مقاسمة وأن الحل يُراد له حلول وسطى ، فالقضية ليست مناصفة ، ما يتخذون من عبادة حجر ووثن ليست بالحق .

من سورة آل عمران " وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) " ، " إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) " ، فيثير البعض مسألة بأنه نوع من الإجبار ، الله يقول بأن الجميع سيحشر يوم الدين و لن يكافئ الله أو يجازي من يتخذ غير الدين دينًا ، و هناك اثارة لقضية عدم جواز قراءة كتب الضلال واقتنائها ، وأنها نوع من تقييد و حرية ، فلا يقبل أحد منا أن يأتي أحد الى أسرته و يخرق نظامه و يشكك في كلام الأب ، هذا دين متكامل ، لا يجوز الطعن في المذهب ، و الحرية لها قيود .

من المسائل الحساسة أن بعض الخلافات تكون نتيجة عدم فهم طبيعة المشكلة ، فيسقط بعضنا البعض و يُفسق بعضنا الآخر ، الامور العقائدية فيها ضرورات الدين و المذهب ، وهي لا تُمس ولا يوصل اليها و ليست الحرية التي تهدم ضرورات الدين أو المذهب ، بل تستطيع أن تتحرك دون الضرورات ، و طبيعة المسائل الإعتقادية لا تقليد فيها ، انما يتم تحصيلها بالعلم و القطع و اليقين عبر الأدلة و البراهين ، و أي شيء لا تقليد فيه وليس من ضرورات الدين و الإنسان يتعب بجهده فهو يتحرك في مساحة الحرية فلا داع للخصومات و يعتقد أو لا يعتقد ، مثل مسألة الرجعة جرت عليها أبحاث من فقهاء و مراجع وصار عليها خلاف ، السيد السيستاني يقول بانها من المسائل التي يمكن الإختلاف فيها ، و الخوئي يعتقد بالرجعة و لكن يقول فيها بأنها ليست من الضرورات التي يجب الإعتقاد بها . والشيخ التبريزي كذلك يعتقد بها ويقول بأنها ليست من أصول المذهب .

ايضًا عنوان الولاية التكوينية عنوانٌ معاصرٌ و حديثٌ ، و يتحدث عن فضائل و كرامات اهل البيت و هو يعني تصرّف المعصوم في الكون ، يقول الشبخ محمد جواد مغنية أن الولاية التكوينية ليست من ضرورات الدين و المذهب ومن يتبناها لا يقول بأنها من الضرورات ، فلا يجب أن نتحرك بحساسية بل الإختلاف فيه من الأمور الطبيعية في نطاق الحرية . لنجعل من الحرية في طريقها العام و هو النظام ، و لكن في اتجاه آخر لما نكبت حرية الإنسان سيجلب كوارث و فجائع ليست بالبسيطة . حيث قال الحسين ( ع ) : " ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان! إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحرارا في دنياكم وارجعوا إلى أحسابكم إذ كنتم أعرابا " .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع