واصل سماحة السيد ميثم المحافظة سلسلة محاضراته بحسينية الحاج أحمد بن خميس وذلك في ليلة العشرين من شهر رمضان لعام 1441 هـ - على الفضاء الإفتراضي - ، وتحت عنوان " علي وسقراط " ، خصص الكاتب جورج جرداق فصلًا كاملًا لهذا العنوان في كتابه الإمام علي صوت العدالة الإنسانية ، وطرح سؤالًا : نتحدث عن علي فمالنا وسقراط ؟ ، فأجاب جورج : ان العظيم لا يُعرف الا من بقية العظماء ، اذا وضعتهم في مصاف واحد عرفت عظيمك بم يتميز ؟ وسقراط رجل عظيم وشيخ فلاسفة اليونان ، ولم يجاريه أحدٌ في غزارة علمه و فهمه ، و هو فيلسوف الهي عظيم وقد استشهد في السجن ، وروض نفسه و أعرض عن الدنيا .
يبين جورج مقارنة عامة ، يشترك علي ( ع ) و سقراط في بناء الإنسان الكامل المُنزّه عن الرذائل و الحائز على الفضائل و بناء المجتمع الفاضل الذي يعيش أفراده فيما بينهم البعض على أسس التعاون و الصلاح و نبذ الفساد ، ثم يذهب الى مقارنات تفصيلية أولها الشجاعة حيث عرف عن سقراط بشجاعته و أنه مهاب اذا سمع عنه الخصم وكان شرسا محاربًا ، واشتهر خلال معركتين انتصر فيهما هما ديلوم وبوتيدييه ، ويضيف جرداق من الغبن أن نقارن رجل وفارس في التاريخ بعلي ( ع ) ، مهما بلغ فارس في التاريخ فليس من الإنصاف مقارنته بعلي ، فلعلي عشرات المعارك المصيرية و قد خُير بين الموت او الحياة في مرات كثيرة بدءًا من مبيته بدار النبي ( ص ) .
ثم ينتقل الى عنوانًا آخرًا وهو التواضع ، حيث كان سقراط يمشي حافي القدمين بين أصحابه ، لا يتقدم عليهم ولا يتقدمون عليه ، ويمشي في وسطهم وكان يرفض بتلقيبه بالمعلم و الأستاذ ، وهكذا علي ( ع ) ، حيث يقول لأصحابه و الثلة القليلة التي بقت معه " انما أنا رجل منكم لي مالكم وعلي ما عليكم ، ولست في نفسي بفوق أن أخطأ " ، وينتقل جورج الى مفارقة الضعفاء والمحتاجين و المساكين ، حيث كان سقراط يجمعهم و يعلمهم و يحافظ عليهم ، و معظم تلامذة سقراط هم من المشردين والفقراء و المستضعفين ، أما علي ( ع ) فيتحيّر عقلك ، تقول الرواية حيث ينقلها جورج ، تصوروا بأن خليفة المسلمين لا ينام و لا يهدأ ، يكون دائمًا في قلق " لعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع ، أو أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى وأكباد حرى؟ أو أكون كما قال القائل - وحسبك داء أن تبيت ببطنة - وحولك أكباد تحن إلى القد . أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش " . .
.
ثم ينتقل الى عنوانٍ آخر من المقارنة وهو الخذلان ، حيث خُذل سقراط وحاربوه و شهروا به وافتروا عليه ، لأنه لم يكن يرضى بتعدد الآلهة ، وكان يقول بالإله الواحد المُوجد لهذا الكون ، ويرى بترفع الإنسان عن الرذائل من الخمور و الزنى ، ويكون بناء الإنسان بفضائله ، ويضيف جورج ، كما ان الأثينيين اتهموا سقراط وكذبوه و كفروه فكذلك الكوفيين اتهموا علي ( ع ) وادعوا عليه بالضلال و كفروه ، و استمر ذلك لأربعين سنة فكان يُشتم على المنابر . يقول علي ( ع ) " لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه " ، و قال ( ع ) " لا يزيدني كثرة الناس حولي عزة ، ولا تفرقهم عني وحشة "
في مقارنة أخرى وهي الخطابة والبلاغة ، عرف عن سقراط أنه فيلسوف وخطيب مُفوّهٌ لا يستطيع أحد مجاراته ، حيث اجتمع عنده خمسة من علماء اليونان أرادوا أن يجاروه فكانوا بين يديه كالأطفال ، ويقول جورج في كتابه اذا سالت دموع سيبياد الفاجر على خديه من كلمات سقراط ، فان همّام صاحب أمير المؤمنين قد صُعق و أُغمي عليه لما سمع عن صفات المتقين ، حيث يقول : " وَلَوْ لَا الْأَجَلُ الَّذِي كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ وَخَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ " . ثم ينتقل أخيرًا الى مقارنة عن الزهد ، حيث كان سقراط يلبس الخشن و الغليظ وملابس الفقراء ، ولا يضع سجادة حين الجلوس ليتصاغر أمام الفقراء و الزاهدين ، وقد أعرض عن الدنيا وروّض نفسه ، حيث ينقل عمرو بن الحريث عندما ترصد غداء أمير المؤمنين علي ( ع ) ، فأتت فضة بجراب مختوم فأخرج منه خبز شعير خشنا، فقال عمرو: يا فضة لو نخلت هذا الدقيق وطيبته فقالت: كنت أفعل فنهاني، وكنت أضع في جرابه طعاما طيبا فختم جرابه . وعندما كان خليفة المسلمين كان يقول " وَاللهِ لَقَدْ رَقَّعْتُ مِدْرَعَتِي هذِهِ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَاقِعِهَا " .
التعليقات (0)