واصل سماحة السيد المحافظة سلسلة مجالسه الرمضانية و ذلك ليلة التاسع عشر من شهر رمضان لعام 1441 هـ بحسينية الحاج أحمد بن خميس - على الفضاء الافتراضي - ، وهي ذكرى ضربة الملعون عبد الرحمن ابن ملجم لأمير المؤمنين علي عليه السلام ، و تحت عنوان " علي وليد الكعبة " ، نستقرأ دلالات ولادة أمير المؤمنين في الكعبة ، و لا نكتفي فقط بميزة الإمام علي فقط في ولادته في الكعبة . نستقرأها من الغير لكي يكون كلامنا حياديًا ، عندما نتحدث عن الإمام علي ( ع ) ، لم نتحدث من خلال العاطفة ، فماذا قال غيرنا في هذا الحدث الأعظم ؟ نناقش من خلال كتاب (الإمام علي (ع) في الفكر المسيحي المعاصر) للمؤلف الأستاذ راجي أنور هيفا و هو كاتب سوري .
ولد أمير المؤمنين في الكعبة ، حيث يروي النيشابوري في المستدرك " تواتر عند أصحابنا أن فاطمة بنت أسد وضعت امير المؤمنين في جوف الكعبة " ، ويقول الشريف الرضي " لا نعلم مولود ولد في الكعبة غيره " ، لعل البعض يدعي ان هناك مولودًا آخرًا ولد في الكعبة - غير علي - ولكن الشريف الرضي يريد ان يقول هذا كحصر ، أورد الأديب روكس بن زايد العزيزي ، وهو أحد الأدباء المسيحيين المعاصرين قصة ولادة الإمام علي في الكعبة ، و علّق على تلك الحادثة الجليلة بقوله في كتاب ( علي أسد الإسلام و قديمه ) : " كانت ولادته في البيت الحرام ايذانًا بأن الأصنام قد هزمت الى الأبد " .
القراءة الثانية للأستاذ و المفكر و الأديب المسيحي نصري سلهب صاحب الأبحاث المطولة عن الإسلام و المسيحية ، و صاحب كتاب ( في خطى علي ) يرى بأن الإمام علي ( ع ) وُلد مُسلمًا قبل الإسلام ، شأنه في ذلك شأن الرسل و الأنبياء الذين كانوا مسلمين بالفطرة السليمة قبل ولادة الرسالة الإسلامية بشكلها العلني علي يدي الرسول المصطفى ( ص ) " . و يقول " ولدته امه في الكعبة ، تلك التي جعلها الله قبلة المصلين ، الركع ، السجود ، المستسلمين لمشيئة الله ، المسلمين له نفوسهم و المصائر " و هي إشارة عظيمة أن الإيمان الكامل الذي ظهر متجسدًا بعلي منذ لحظة ولادته في الكعبة سيتسع في الإنطلاق و الإتساع الى جانب صاحب الرسالة ( ص ) .
الدلالة الثالثة منسوبة أيضًا للاديب نصري سلهب بان ولاية علي شرط في الإيمان ، اذن ثمة علاقة بين علي وبين الإيمان ، ولم تختلف وجهة نظر الأديب و المفكر جورج جرداق عن الأديب نصري سلهب و الذي يشرح ذلك في ( الإمام علي صوت العدالة اللإنسانية ) - في ستة أجزاء ، حيث يرى جرداق أن الإرادة الإلهية الكونية شاءت أن يكون هناك ارتباط ذاتي وثيق بين محمد ( ص ) و ذات علي ( ع ) الى حد أن ذات كل منهما تصبح شيئًا من الذات الأخرى ، و يقول " وقد هيات هذه الإرادة ظروفًا ومناسبات برزت فيها خصائص ما كان لأحد ان يشارك بها عليًا ، فها إن عليًا ولد في الكعبة التي أصبحت قبلة أشواق المسلمين وكان مولده فيها بعد أن أصبحت الدعوة الإسلامية شيئًا موجودُا بذات محمد و ان لم يكن قد أفصح عنها بعد " . يمكننا قراءة الكثيرعن وليد الكعبة ، وقد بيّن لنا الرسول الأعظم عمق العلاقة القائمة بين المولود و مكان الولادة ، وقد أشار ( ص ) بالعبارة الصريحة الى أن الكعبة التي هي قبلة المسلمين يقابلها الإمام علي ( ع ) الذي تمثل ولايته قبلة المؤمنين ، وقد عبّر الرسول ( ص ) عن هذه الحقيقة بقوله " يا علي أنت بمنزلة الكعبة " ، و هذه الرواية عند المسلمين كافة .
في شرح نهج البلاغة حين برز امير المؤمنين (ع) في الخندق وكان مصير الإسلام في كفه ، حيث مد النبي كفه وقال " اليوم برز الإسلام كله للكفر كله " ، و الشاعر المسيحي بولس سلامة ( 1902 - 1979 ) يرى تلك الولادة التي تمت في بيت الله بأمر من الله ، هي في حقيقتها ولادة النور الذي سيغير حركة التاريخ و مجرى الزمان و يقول " يهرم الدهر وهو كالصبح باقٍ " ، و الأديب المسيحي الشاعر خليل فرحات هو الآخر رأى في الإمام علي شيئًا أبعد من ذلك حيث كان لذلك عدة عوامل اهمها معانته الطويلة مع مرض عضال دام سنوات وقد أعجز الأطباء و المختصين عن إيجاد بارقة امل بالتحسن و الشفاء ، حيث احتبس الدم في رجله وكان القرار بالقطع ، فقال لديّ مشوار الى علي ، فإن قطعتم فكيف أمشي ؟ ، وبعد يوم واحد فك الله كربته ، و قال لصاحبه أفلا ترى أن الإمام هو الذي أمرني بالرحلة فكيف أتخلف ، ثم ألا ترى أنه كان كما يحب ، فكيف لا أكون أنا كما يحب ؟ .
التعليقات (0)