واصل سماحة السيد المحافظة سلسلة مجالسه الرمضانية و ذلك ليلة السابع عشر من شهر رمضان بحسينية الحاج أحمد بن خميس - على الفضاء الافتراضي - ، و تحت عنوان " البحراني ينقذ التراث من الادعاءات " ، حديثنا حول التصوّف والادعاءات الضالة ، هناك كثير من الظواهر الطارئة على الساحة سواء الفكرية او العقائدية او الدينية الضالة ، كادعاءات الحديث مع الملائكة و السفارة و التواصل مع روح الأئمة و السفراء ، هل هناك سابقة متراكمة أدت الى ذلك ؟ لديهم عقول لكن ثمت شيئٌ متراكمٌ عبر التاريخ أدى لنشوء ذلك .
في رواية عن الإمام الهادي ، لما دخل مسجد النبي ( ص ) جماعة من الصوفية و جلسوا في جانب مستديرا ، و أخذوا بالتهليل فقال ( ع ) : " لا تلتفتوا الى هؤلاء الخدّاعين فانّهم حلفاء الشياطين و مخرّبوا قواعد الدين ، يتزهّدون لراحة الأجسام و يتهجّدون لتصييد الأنعام ، يتجوّعون عمرا حتّى يديّخوا للايكاف حمرا ، لا يهلّلون الاّ لغرور الناس و لا يقلّلون الغذاء الاّ لملا العساس و اختلاس قلب الدّفناس ، يتكلّمون الناس باملائهم في الحبّ و يطرحونهم بأداليلهم في الجبّ ، أورادهم الرقص و التصدية و أذكارهم الترنّم و التغنية ، فلا يتبعهم الاّ السفهاء و لا يعتقد بهم الاّ الحمقاء ". في اللغة العربية التصوف من لبس الصوف و الغليظ و التخشن ، بمعنى ان الإنسان زاهد في الدنيا فيلبس العتيق من الثياب ، أمّا المعنى الإصطلاحي أنها جماعة اتخذت لها مسلكًا في العبادة لاحياء الباطن و الروح عبر تعذيب النفس و اجهادها ببعض الأوراد والأذكار التي لم ترد عن النبي ( ص ) فيدعون بعد ذلك أنهم يصلون الى الكشف و هو تحصيل المعارف الغيبية ، ولهذا المسلك أركان عديدة وهي أولًا : الشريعة ، أي العبادات والمعاملات التي يقوم بها المسلمون كافة ، و ثانيًا : الطريقة ، هي ابتكارهم للسلوكيات و الأذكار لتعذيب النفس واجهادها لتنكشف على عالم الغيب و ثالثًا : الحقيقية ، هي انكشاف الغيب و المعين الصافي من المعارف .
لهذا المسلك رجالات ، أعظهم ابن عربي ، و الغزالي و أبو الحسن الشاذلي و عبدالرزاق القاساني و ابن فارض و جلال الدين الرومي ، لديهم مصطلحات يلقبون انفسهم بها منها الكاشف وحافظ أسرار الغيب ، المنعزل ، المنجلي بأنوار الجلال ، الجذبة و السكرة الروحية و النفسية ، هذه المقدمة كي نفرق بين مسلك التصوف و بين مسلك أهل البيت (ع) ، ولا نكون ضحية في خلط مسلك المتصوفة و مسلك أهل البيت . التحصل على المعلومات عندنا هو من القرآن الكريم و الأئمة عليهم السلام و نواتج عقول الناس التي تفيد البشرية ، لكن مصادر المتصوفة كما ينقلها الغزالي " أن ميل أهل التصوف إلى العلوم الإلهامية دون التعليمية .. عبر مجاهدات نفسية تشرق أنوار القلب فتحصل المكاشفة " ويعتبرون المعرفة التي يتحصلون عليها من هذا الكشف من أصفى و أحلى المعارف و هي معارف روحية الهامية ونفسية من عالم آخر .
ما علاقة هذا الكشف بالقرآن ؟ من قول ابو الحسن الشاذلي " ﺇِﺫﺍ ﻋﺎﺭﺽ ﻛﺸﻔُﻚ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏَ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ ﻓﺎﻋﻤﻞ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ ﻭﺩﻉ ﺍﻟﻜﺸﻒ، ﻭﻗﻞ ﻟﻨﻔﺴﻚ: ﺇِﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺿﻤﻦ ﻟﻲ ﺍﻟﻌﺼﻤﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ، ﻭﻟﻢ ﻳﻀﻤﻨﻬﺎ ﻟﻲ ﻓﻲ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﻜﺸﻒ ﻭﺍﻹِﻟﻬﺎﻡ " كلام جميل و لكن بداخله طامة كبرى ، و هو اعتبار الكشف مصدر من مصادر المعرفة ، حيث نحن نقول بعرض الرواية على الكتاب و السنة ، حيث أن الرواية مصدر من مصادر التشريع ، ولكنهم تعاملوا مع الرواية كالكشف ، وهذا أعظم ما يهدم الدين اذا اعتمد عليه و هو أساس ما نتحدث عنه ، توهم البعض و اتهم الشيعة بأنهم من ابتدع نهج التصوف ، لتميزهم - وذلك فخر لنا - بعيشهم حالة جياشة و دعاء و مناجاة و خشوع و خضوع دون الآخرين ، ولو رجعنا نجد أن أهل البيت يتبرأون من الروحانيات الضالة ، منهج أهل التصوف يرجع لمجهودات الناس ولا يمت لأهل البيت بصلة ، وكثير من العبادات التي نقوم بها لا يقومون بها أهل التصوف ، وانما لهم أركان و طرق خاصة .
ولنكن صريحين مع أنفسنا ، يجب أن نبحث و نسأل هل يوجد تأثر من علماء البحرين القدماء و مؤلفاتهم بالتصوف ؟ حيث يوجد اليوم بعض العناوين المتراكمة نجد البعض يتبناها ، مثل التواصل مع روح أمير المؤمنين و كشف الأسرار ، أولًا : الشيخ أحمد بن سعيد بن سعادة البحراني في القرن السابع للهجرة له كتابان الكتاب الأول : الرسالة العلمية ، في الفلسفة وعلم الكلام و التصوف و العرفان و قد شرح له هذا الكتاب الفيلسوف نصير الدين الطوسي ، الكتاب الثاني الإشارات ، وهو كتاب صعب في رموز الكلام و الفلسفة و التصوف و تصدى لشرحه ابن ميثم البحراني ، و ثانيًا نشوء الدولة الصفوية في بلاد فارس كان له دفعة كبيرة ، و قد تبنّت المسلك التصوفي و تأثر من خلاله اقليم البحرين و العراق و الشام و انتشر ذلك المسلك و تأثر به علماء البحرين ، ثالثًا الشيخ الماحوزي في القرن الثاني عشر للهجرة في كتاب أزهار الرياض فيه الكثير من أشعار المتصوفة التي قد تبناها و ضمنها في ذلك الكتاب ، رابعًا : الشيخ علي بن أحمد بن عبدالسلام البحراني في القرن الثاني عشر ، و قد عاش في زمن الشيخ ياسين البلادي ، حيث يقول الشيخ ياسين بانه حضر درسه و أنه كأبيه متأثرًا بالتصوف و العرفان ، و العرفان ينقسم الى قسمين ،عرفان أهل البيت من سنن ظاهرة ، و عرفان المتصوفة التي ذكرنا أركانها سلفًا .
لكن هناك وثيقة هامة و كتابٌ لعالِم البحرين و مرجعها صاحب الحدائق الشيخ يوسف البحراني ، في كتابه النفحات الملكوتية في الرد على الصوفية ، حيث بعد موجة التصوف في كتب القدماء ، رد ردًا قاسيًا لاذعًا و أنقذ المسلك العبادي في البحرين من التصوف الى مسلك أهل البيت ( ع ) ، الذي درج عليه الشيخ المفيد و العلامة الحلي ، وهو ما أكد عليه الشيخ . ولولاه لرأيت الروحانيات المنفلتة البعيدة عن مسلك أهل البيت ، لا تجازف بحياتك بمنهج مغلوط حيث أن هذا مصير ، ليس كل ما يأتيك من اعمال عبادة ولو كان عاطفيًا و روحانيات و خشية و دموع تعمل به ، اياك أن تحذو مسلكًا ثم يتبين لك أنه مسلك خاطئ . قال رجل للصادق عليه السلام : قد خرج في هذا الزمان قوم يقال لهم الصوفية فما تقول فيهم ؟ فقال عليه السلام: "إنهم أعداؤنا فمن مال إليهم فهو منهم ويحشر معهم وسيكون أقوام يدعون حبنا ويميلون إليهم ويتشبهون بهم ويلقبون أنفسهم بلقبهم ويأولون أقوالهم ألا فمن مال إليهم فليس منا وإنا منه براء ومن أنكرهم ورد عليهم كان كمن جاهد الكفار مع رسول الله ( ص ) " .
التعليقات (0)