استهل سماحة السيد المحافظة سلسلة مجالسه الرمضانية و ذلك ليلة السادس عشر من شهر رمضان بحسينية الحاج أحمد بن خميس - على الفضاء الافتراضي - ، و تحت عنوان " بين الصبر و تعجيل الفرج " ابتدأ سماحته بآية من سورة القصص " وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) " ، الإنتظار بين الصبر و بين الدعاء بتعجيل الفرج ، حينما يستقرأ الإنسان الروايات ، هناك شق أول يحث على الإنتظار و الصبر ، عن الرسول الأكرم ( ص ) : " أفضل عمال امتي انتظار الفرج " و في مقابل ذلك شق آخر قد يستقرأه البعض في رواية عنه (عج) : " أكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرَجَكم." . لعل البعض يتوهم أن هناك ثم تناقض بين الإنتظار و طلب التعجيل ، ولكن بأن نقف قليلًا في الشقّ الأوّل و نفهم مدلولات الروايات من جهة أخرى و نقف مع الشق الثاني من الروايات التي تحث على الصبر لكي تكون الصورة واضحة .
الشق الأول وهو فيما تعرضت له الروايات كالصدوق في اكمال الدين و اكمال النعمة و الكليني عن السفير محمد بن عثمان العمري " أكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرَجَكم. " ، نلاحظ أنها تطالب بالاستمرار و المداومة والحث على تعجيل الإمام ، وحينما يظهر الإمام سيملأ الأرض قسطًا وعدلًا وهذا بحد ذاته فرجٌ لنا ، معرفتنا لسبب غياب الإمام يعرفنا أنه من المرخص لنا طلب تعجيل الفرج ، السبب الأول وهو رأي الشيخ الطوسي في العلة من غياب الإمام وهو خوفه على نفسه من القتل ، و لو كان غير ذلك لما ساغ للإمام أن يستتر ، السبب الآخر هي رواية للإمام الرضا ( ع ) : " لئلا يكون في عنقه بيعة لحاكم زمانه " ، وهناك رواية أخرى ينقلها الشيخ المفيد و الصدوق بخطاب لمولانا (عج ) " وأما علة غيبتي فإنه لم يكن أحدٌ من آبائي إلا وفي عنقه بيعةٌ لظالم زمانه وأنا إذ أخرج، أخرج ولا بيعة في عُنقي لظالم " ، فهل يحق لنا الدعاء بتعجيل فرجه و تعريضه للقتل و تكون في عنقه بيعة لامام زمانه ، الجواب أنه حين تدعوا للإمام ، تدعوا الله أن يهيئ كل أسباب الحفظ و الأمن و الأمان ولا تكون في عنقه حاكم حين يظهر .
الله قال " ادعوني أستجب لكم " فحاشى أن يكون دعاؤنا بلا تأثير ورواية الإمام بإكثار الدعاء ، و حاشى ان يتخلّف هذا الوعد عن التحقق ، لما أمرنا بالدعاء ضمن الله لنا الإجابة و هيأ لنا الأسباب و دعاؤنا مؤثر بلا شك ، هناك رواية الإستعجال ، " ما تستعجلون بخروج القائم، فوالله ما لباسه إلا الغليظ، ولا طعامه إلا الجشب ، وما هو إلا السيف، والموت تحت ظل السيف " ، فلربما يتوهم البعض أن هناك تناقض ، هناك فهم خاص لهذه الرواية ، الكلمات التي تتبع "ما تستعجلون" يريد الإمام أن يسأل هل أنت متهيأ للفرج حينما تدعوا ؟ فلا تستعجل ظهوره و انت غير مهيأ و غير مستعد ، هذه الرواية داعية أن تكون أهلًا للدعاء وانت مهيأ ،
البعض يتصوّر أن الإمام يعيش يعيش في مأمن ولا يعيش محنة و همًا وغمًا ، لكن حاله ليس كما نتصور ، في رسالة الإمام للشيخ المفيد " فإنّا نحيط علماً بأنبائكم ولا يعزب عنّا شيء من أخباركم، ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم " فالإمام مُحمّل بآلام أجيال ، ومصيبته أعظم مصيبة ، لما ندعوا نُوطّد علاقة المحبة بيننا وبين الإمام ( عج ) ، و نهيأ أنفسنا و عقيدتنا و أخلاقنا ونظامنا الشرعي وعلاقتنا مع الله و مع القرآن كلما ذكرنا أمر ظهور الإمام ، وهذا بحد ذاته فائدة ، أيضًا من فوائد الدعاء تهيأة الناصر و الساحة لتولد الأنصار ، فهل نحن من أنصاره ؟ ، النتيجة الأولية من جواب التعارض بين الدعاء أو الصبر أننا مأمورنا بالدعاء و الإكثار منه .
الروايات التي تحث على الإنتظار و الصبر كما ف حديث النبي ، هناك رواية أيضًا عن الإمام الجواد : " أفضل أعمال شيعتي انتظار الفرج " ، معنى الصبر و الإنتظار هو الصبر على العمل و أداء تكاليف الإمامة ، الإنتظار لا يعني تعطيل الشريعة ووقف الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الإصلاح ، الإنتظار هو العمل و الإستمرار في تشييد الدين مع الدعاء بتعجيل ظهوره ، وهي المرابطة على إمامة صاحب العصر و الزمان ، وروي أيضاً عن أمير المؤمنين (عليه السلام) انه قال:(المنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله) صار جليًا لمن يتوهم بالتناقض بين الدعاء و الصبر ، هنا علاقة مسار واحد
ان ظهور امامنا هو من الأمر المتحقق و الذي يستحيل أن لا يقع ، و لكن توقيت وزمن ظهور الإمام خاضع للبداء ( قابل أن يتقدم أو يتأخر ) ، فهو المحرّك الرئيسي ، من سورة الرعد " يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ۖ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39) " ، يصير هذا الأمر دافعًا و محركًا أن يطلب المؤمنين تعجيل الفرج حتى يقرب الله ظهور الإمام . في رواية عن الصادق ( ع ) : عن الفضيل بن يسار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل " يوم ندعو كل أناس بإمامهم " فقال: يا فضيل اعرف إمامك فإنك إذا عرفت إمامك لم يضرك تقدم هذا الامر أو تأخر، ومن عرف امامه ثم مات قبل أن يقوم صاحب هذا الامر، كان بمنزلة من كان قاعدا في عسكره لا بل بمنزلة من كان قاعدا تحت لوائه. قال: ورواه بعض أصحابنا: بمنزلة من استشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله.
التعليقات (0)