شارك هذا الموضوع

ملخص المجلس الرمضاني ليلة 15 رمضان 1441 هـ / الشيخ ابراهيم الصفا الستري / أسرار وجود المعصوم

أنهى سماحة الشيخ إبراهيم الصفا سلسلة مجالسه الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك لليلة الخامسة عشر من شهر رمضان لعام 1441 هـ - على الفضاء الإفتراضي - ، بدايةً بارك للأمة الإسلامية ذكرى مولد الإمام الحسن الزكي عليه السلام ، و تحت عنوان " أسرار وجود المعصوم " ، ابتدأ سماحته بمقطع من الزيارة الجامعة " اَلسَّلامُ عَلى مُظْهِرى اَمْرِ اللهِ وَنَهْيِهِ " . نحن بحاجة أن نتعرف على مقامات الإمام الحسن عند الله ، و لو أردنا نصًا ثابتًا يعرفنا بالمقامات و الأسرار العظيمة التي يختص بها أهل البيت فلن نجد أفضل من نص الزيارة الجامعة الثابتة على مستوى البحث العلمي و الروائي و السندي ، وقد تضمنت الزيارة أسرارًا لا يتحمل مداليلها شخصٌ من خارج مدرسة أهل البيت فيعتبرها شركًا أو انحرافًا لأن التسليم بمضامينها يحتاج الى الولاية .

المعصومون عليهم السلام في نشأة عالم الملك هم مرايا عالم الملكوت ، فالجمال الرباني يتجلى و ينعكس فيهم ، هم من يظهروا أمر الله ، " وما أرسلناك الا رحمة " النبي ( ص ) هو الرحمة السلوكية العملية المتجلية في هذه النشأة التي تعكس شيئًا من مظاهر رحمة الله ، فالمعصوم هو مظهر لأمر الله و نهيه ، وللمعصوم منزلة عظيمة الى أبعد الحدود ، وله ولاية تشريعية و تكوينية ، فوجوده يمثل الإستخلاف للحاكمية الإلهية في الأرض .و لكي نتعرف على منزلة المعصوم ، يجب أن ندقق في ما ورد في الزيارة الجامعة .

أولًا هناك احتمالات عديدة ، اما ان بهم تُقبل الطاعات ، حيث أن الصلاة و الزكاة لا تتكامل بالشكل الذي يريده الله الا بأخذ الحكم من المعصوم ، فالمعصوم هو من يبيّن التفريعات و هو من يملك صلاحية التقييد بعد النبي ( ص ) ، فالولاية مقدمة على الصلاة لأنها لا تُعرف الا بالولي فالولاية مفتاح هذه الأشياء و الوالي هو الدليل عليهم . فتقدم الولي و الولاية على الأركان ، و الأعمال لن تكون صحيحة من دون ولاية ، هذا ان حملنا الرواية على البعد الفقهي . جاء في زيارة الإمام الحجة " من جاء بولايتك واعترف بإمامتك قبلت أعماله " ، و في زيارة الإمام علي " أشهد أن بولايتك تقبل الأعمال، وتزكى الافعال " ، فالأعمال قد تكون محكومة بالصحة - حينما تكون منطبقة مع الحكم الفقهي - ولكنها ليست محكومة بالقبول الا بالولاية ، و القبول له مدخلية في انعكاس آثار الصلاة الروحية ، و تحقيق الثواب و الأجر و تحقيق العروج و الدرجات و المقامات .

ثانيًا : كما أن المعصوم مرآة عاكسة للحكم الشرعي فهو مرآة عاكسة لجمال الله و جلاله ، اي للصفات الربانية ، عن النبي ( ص ) " تخلقوا بأخلاق الله " وعنه ( ص ) " إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة " ، الله لما سمى نفسه بأسماء عديدة كالرحمن و الرحيم و الودود ، فالمعصوم هو مرآة انعكاس هذه الأسماء ، أخلاقيات عديدة نجدها في النبي ( ص ) حيث أعطاه الله وسام الخلق " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " المعصومون هم مظهر جمال الله و صفاته . قال ( ص ) " الأخلاق منائح من الله عز وجل فإذا أحب عبدًا منحه خلقًا حسنًا ، و إذا أبغض عبدًا منحه خلقًا سيئًا " ، وهنا نجد تجلي مكارم الأخلاق عند المعصومين وهي ذروة الأخلاق ، أن تتسم بالإحسان وهو تفضل بالعبد على أخيه .

جاء النبي ( ص ) بمكارم أخلاق ، ووجدت عند المعصومين ، عن علي " ان مكارم الأخلاق أن تصل من قطعك و تعطي من حرمك و تعفوا عن من ظلمك " ، أن ترد الجميل بالجميل هذا من العدل ولكن من الإحسان أن تقابل القبيح بالجميل ، من سورة النحل " ۞ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) " و اذا تحدثنا عن صاحب الذكرى الإمام الحسن الزكي ، نجد أنه تجلت فيه صفات وخصال ، أولًا الهيبة العبادية ، هناك هيبة دنيوية و بسبب الأسباب الخارجة " عن الإمام الصادق (عليه السلام): من أراد عزًا بلا عشيرة، وغنى بلا مال، وهيبة بلا سلطان، فلينقل من ذل معصية الله إلى عز طاعته " ، ومن سورة المنافقون " وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ " ، كانت للإمام هيبة لا نظير لها فلما يقف عند باب الدار ينقطع المارة اجلالًا له ، واذا مر ماشيًا ترجّل الراكبون ، و قيل للحسن بن علي (ع): إن فيك عظمة ! ، قال : بل فيّ عزة .

الميزة الثانية هي الكرم ، و هي من أسماء الله عز وجل " الكريم " ويُحب الله من عباده أن يكونوا كرماء ، يد الله مبسوطة لعباده ، وقد كان عليه السلام كريمًا معطاءً للفقراء وقد ناصف ماله ثلاث مرات ، وقد قيل له ( ع ) " لاي شيء نراك لا ترد سائلاً وان كنت على فاقة " فقال : إني لله سائل وفيه راغب وانا استحي ان اكون سائلا وارد سائلا ، وان الله عودني عادة ان يفيض نِعَمَهُ عليّ وعودته ان افيض نعمه على الناس ، فأخشى ان قطعت العادة ان يمنعني العادة " . الميزة الثالثة هي الحلم ، والحلم هو خلاف الطيش و هو ضبط النفس و الطبع عن هيجان الغضب و كبح جماح النفس عند انفعالها ، واذا استطاع ذلك ، من سورة آل عمران " الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)".

من حلمه أن شاميا رآه راكبا فجعل يلعنه، والحسن عليه السلام لا يرد، فلما فرغ أقبل الحسن عليه السلام فسلم عليه وضحك، فقال: أيها الشيخ أظنك غريبا، ولعلك شبهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وإن كنت جائعا أشبعناك، وإن كنت عريانا كسوناك، وإن كنت محتاجا أغنيناك، وإن كنت طريدا آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حركت رحلك إلينا وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك، كان أعود عليك، لأن لنا موضعا رحبا وجاها عريضا ومالا كثيرا. فلما سمع الرجل كلامه بكى، ثم قال: أشهد أنك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إلي، والآن أنت أحب خلق الله إلي ، أخلاقيات عميقة جدًا . وهذه ليست سوى رشحات بسيطة من شخصيته التي يحتاج أن نبحر فيها .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع