واصل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته ليلة الثالث عشر من شهر رمضان المبارك لعام 1441 هـ ، و ذلك بحسينية الحاج أحمد بن خميس - على الفضاء الافتراضي - ، وتحت عنوان " العقلانية و الرؤية الكونية " ، ابتدأ سماحته بآية من سورة الزمر " وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ ۚ فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18 ) " من أبرز مظاهر التكريم أن الله حمل الإنسان العقل وحديثنا يدور حول مفردة هي قوانين العقل الصريح ، والعقلانية و الرؤية الكونية ، وكيف تكون هذه الادوات وسائل تشكيل رؤية كونية ، العقلانية مصطلح فلسفي شاع وانتشر في القرون المتأخرة ، والمراد بها احتكام الإنسان الى العقل لكل ما يحيط به و كل ما يتعلق بهذا الوجود ، سلبي او غير سلبي ، نافع او ضار ، فهو راجع للعقل ، الحاكمية في الفلسفة العقلانية تؤمن بحاكمية العقل في كل مجاري العقل ، وكل ما يقبله العقل يُقبل ، و ما لا يقبله العقل لا يُقبل ، وهذا يجب أن يُفهم على اسس معرفية ، فهو شيء صحيح أحيانًا و غير صحيح أحيانًا .
العقلانية تعطي للعقل سلطة مهيمنة على كل مفاصل الحياة ، و قد تحولت الى مدارس فلسفية متعددة ، ديكارت من مؤسسي العقلانية الحديثة و يذهب الى تحرير العقل من أي سلطة حاكمة ، والتشكيك بكل شيء و يعطي القرار ما يملي عليه العقل من بداهة عقلية فطرية ، قد يكون ايجابيًا من جهة و سلبيًا من جهة أخرى ، الإسلام يرى بعدم صلاحية العقلانية وحدها لتكوّن رؤية كونية . المناهج اما تجريبية حسية أو نقلية أو عقلية في تكوين الرؤيا لهذا الكون ، العقل لا يمكن أن يشكل تصورًا لهذا الوجود ويُكوّن رؤية تكوينية شاملة ، لأن للعقل نقاط يتوقف عندها ولا يستطيع أن يعطي لها رأيًا . هناك فرق بين الرأي العقلي و العقل الصريح ، العقل الصريح محترم عند العلماء و المقصود به الفطري ، وهو يتضمن مجموعة من القوانين و الأحكام عند جميع افراد النوع الواحد ، الرأي العقلي استنتاجات قد تصيب وقد لا تصيب .
الموقف من الرأي الصريح يعتبر ضروري في نظر الإسلام وهو مهم لأبعد الحدود و لكنه قاصرًا ، هناك بعض المسائل يتوقف فيها العقل الصريح فننتقل الى النقل الصحيح أي الروايات الثابتة على نحو الصحة و هما منسجمان تمامًا ، أولًا في المسائل الفقهية و التشريعية ، فأقصى ما يثبته العقل الصريح وجوب طاعة المولى عز وجل ، و حقيقة الإدانة للخالق بالإمتثال ، ولكنه لا يصلح بكيفية عبادة الله و الصلوات الخمس و تفاصيل الصلاة من ركعات و شرائط و ضوابط ، و الغسل و الوضوء وأجناس الزكاة و قيمة الزكاة ، و غير ذلك . الشهيد الصدر له نظرية خاصة دون غيره فهو يؤمن بان طاعة الإنسان و ادانته في كل ما كان معلوما او مظنونًا أو محتملًا ، فقد أسس حق الطاعة ، فالعقل لا يعلم بذلك ، ولذلك له حد فيتوقف ، أيضًا يبدي العقل عجزه في المسائل العقدية ، أقصى ما يمكن أن يدركه بضروة الجزاء يوم القيامة ، فلو لا وجود المعاد و وجود الجزاء فيعاقب المسيئ و يثاب المطيع يكون هذا لغو - أي تشريع بلا قيمة - ، فالعقل الصريح يرى بوجود محكمة الآخرة ، لكن العقل لا يدرك ما يوجد من عقاب وجزاء .
لو كان العقل مدركُا لكل شيء لكانت الحُجة عنده ، و وجود الأنبياء لغو و هو من باب تحصيل حاصل ، فلو أن العقل قادر على ادراك كل شيء للزمت وثبتت الحجة على كل انسان ، من سورة الإسراء " منِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا (15)" . عند طاولة النقاش و عند المقارنة بين الفكر الالحادي و الاسلامي يُستعمل العقل الصريح لا القرآن و السنة ، لأن الملحدون من ينهضون برؤية مخالفة للدين و ينكرون العقيدة و أصل وجود الله تعالى ، فلابد أن يجعل من قوانين العقل الصريح هي الحجة ، فقانون العلية يمكن أن يُحج به الملحدون في وجود الله ، و قانون التناقض بأن النقيضان لا يجتمعان ينقض أن المادة الاولى هي من أوجدت نفسها ، اذن لا بد أن تكون معدومة لكي توجد ، فما فُرض معدوم هو موجود و ما فُرض موجود هو معدوم . فلابد للمؤمن أن يدافع عن عقيدته بكل قوة .
التعليقات (0)