واصل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته ليلة العاشر من شهر رمضان المبارك لعام 1441 هـ ، و ذلك بحسينية الحاج أحمد بن خميس - على الفضاء الافتراضي - ، وتحت عنوان " البناء الزوجي و غياب الحب " ، ابتدأ سماحته بآية من سورة الروم " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) " . الإسلام الحنيف يؤكد في الكثير من آياته على أهمية البناء الزوجي ، الحياة الزوجية هي مزيج صلب في الرؤية الإسلامية يقوم على اسس مهمة تتداخل لتكوّن بناءً من أهم نماذج البناء في الإسلام ، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): " ما بنى بناء في الاسلام أحب إلى الله من التزويج " . هذا البناء المعنوي يعد من أخطر أنواع البناء ، الذرية الصالحة انما تنشأ من البيت الأسري و الروابط الزوجية ، حديثنا ينصب حول أسباب التصدّع التي تعرض العلاقة الزوجية بين الزوج و الزوجة ، ولماذا يضمحلّ ويتنغص الحب الزوجي ؟
ان قوام العلاقة الزوجية واساسها هو الروابط العاطفية بمعية الروابط العقائدية ، الحب أهم نسيج يربط الطرفين بعد الدين ، من الأسباب التي تؤدي الى اضمحلال الحب الزوجي هي غياب لغة الحب ، العلاقة الزوجية علاقة قائمة على اسس عاطفية ونسيج قلبي ، و ينبغي أن تكون لغة الحب حاضرة ، و على الزوجين أن لا يغيبا لغة الحب ، عن النبي ( ص ) " قول الرجل للمرأة: إني أحبك لا يذهب من قلبها أبدا " من الواضح علميًا بأن المرأة تكون عادة أقدر على افصاح مشاعرها ، بينما الرجل يفصح عن ذلك عملًا ، لينظر كلًا الى الآخر نظرة حب ، لكي تستنزل الرحمة الإلهية " ان الرجل إذا نظر إلى امرأته ونظرت إليه نظر الله تعالى إليهما نظرة رحمة " .
السبب الثاني التجريح اللفظي ، هذا اللسان سلاح ذو حدين ، بوسعه أن يجمع و بوسعه أن يفرّق ، من سورة البقرة " وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ (83) " فاذا كان للناس أجمع أن لا تستعمل معهم الفحش و الكلمات المؤذية ، فالزوجة و الزوج من باب الأولى ، لنراقب ألسنتنا فيم نقول و نخاطب ، الإمام علي ( ع ) : "أجملوا في الخطاب تسمعوا جميل الجواب " ، وعنه أيضًا ( ع ) " عوّد لسانك لين الكلام ، وبذل السلام يكثر محبوك ويقلّ مبغضوك " هذه الروايات الإرشادية تعزز المحبة و العكس بالعكس .
السبب الثالث : غياب التقدير ، كلنا بحاجة الى تقدير ، فاذا قُدّر الإنسان أحب أن يُعطي ، لو بكلمة خفيفة و هدية خفيفة ، وخلاف التقدير الجحود ، فعلينا أن نقدّر بعضنا البعض ، لا يوجد في الشريعة عناوين خاصة الى التقدير ، فتُرك الأمر للناس ، فيمكن أن تكون بوردة أو تحفة أو بأمور عديدة ، وكل هذا من شأنه أن يبعث المحبة بين الزوجين ، يقول النبي ( ص ) : " ما من امرأة تسقي زوجها شربة ماء إلا كان خيرا لها من سنة صيام نهارها و قيام ليلها، وبنى الله لها بكل شربة تسقي زوجها مدينة في الجنة " ، كل ذلك في سجل الحسنات ، فان الله لا يضيع أجرًا . وقال (ص ) : " إن الرجلَ إذا سقى امرأتَه من الماءِ أُجِر " .
السبب الرابع غياب الليونة ، عندما تكون العلاقة قائمة على الشدة و العنف ، و يغيب الرفق و المرونة ، الرفق قد يكون في منطق الخطاب ، و اللين قد يكون في كلمات صادرة من الرجل أو المرأة ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : " ما زوي الرفق عن أهل بيت إلاّ زويَ عنهم الخير " ، عندما تتحول الأسرة الى غلظة ، و سُباب و عنف ، تعيش وهنًا و ضعف ، عنه ( ص ) " إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ، وَيُعْطِي على الرِّفق ما لا يُعطي عَلى العُنفِ، " استعمال الرفق الحركي و اللفظي يؤجج حالة الحب بين الزوجين ، النبي ( ص) يعلمنا الرفق و اللين في تاريخه ونساءه ، حينما غارت بعض نسائه من ماريا القبطية حينما كانت تطعم النبي ( ص) العسل ، فحرم عليه ذلك بغية ارضائهن ، فنزلت الآية الكريمة في سورة التحريم " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (1) " ، فكان ذلك ازعاجًا للنبي ، كانت حياة النبي مع زوجته خديجة حياة خالدة و التي تصادف الليلة ذكرى وفاتها ، فلا يزال النبي يحبها و يحسن اليها ، ومن أسباب الحب الذي جعل النبي ( ص ) متيمًا بخديجة ، عندما عاتبته نساءه بانه لا يفتأ بذكرها ، و انه قد أبدله الله بها خيرا فقال " ما أبدلني الله خيرا منها لقد آمنت بي حين كفر بي الناس وصدقتني حين كذبني الناس وأشركتني في مالها حين حرمني الناس ورزقني الله ولدها وحرمني ولد غيرها "
التعليقات (0)