واصل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته ليلة التاسع من شهر رمضان المبارك لعام 1441 هـ ، و ذلك بحسينية الحاج أحمد بن خميس - على الفضاء الافتراضي - ، وتحت عنوان " أسباب الإنحراف الفكري " ، ابتدأ سماحته بآية من سورة الأعراف : " وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) " من أخطر الظواهر هي ظاهرة انحراف النخب أو العلماء ، لأنهم هم الأمناء على الدين و محط الإبتلاء في الإنحراف وهي مسألة في غاية الخطورة ، القرآن يحدثنا عن بلعم بن باعوراء حتى قيل انه اُعطي الاسم الأعظم ، مع هذا انحرف عن طريق الإستقامة و قاتل نبي الله موسى و قد نزلت فيه هذه الآية ، و الإنسلاخ تعبير كنائي عن عمق ارتباطه بالمعرفة .
مسألة انحراف النخب ليست بعزيزة في التاريخ الإنساني ، الكثير منا سمع عن حالات مرت بها البشرية وقبل البشرية ، مثلًا ابليس ، ولا يعد ابليس من الجهلة بل هو عالم ، و في تاريخ أئمتنا الأطهار نجد الواقفية في زمن الإمام الكاظم و بعد موته ، حيث ادعى بعض الوكلاء و خانوا العهد و انحرفوا لكثرة ما في ايديهم من مال ، حيث ادعوا بأن الإمام الكاظم لم يمت ووقفوا على امامته دون الإمام الرضا عليه السلام . من الأسباب التي توقع أهل العلم في الإنحراف ، اولًا الإنبهار الفكري في الحضارات الاخرى ، و الانبهار مستوى أعلى من الإعجاب ، أي أن كل القوى تكون مستجمعة نحو هذا الشيء ، وهذا الشيء خطير جدًا ، طه حسين خريج الأزهر عندما سافر الى فرنسا رمى بعمامته و تخلى عن ذلك ، هدى شعراوي من أوائل من انبهر بالغرب فسافرت الى ايطاليا فصارت من أوائل من يتخلى عن الحجاب علنًا ، و أخذت تقود حركة التحرر في مصر ، وكل ذلك عندما ينظر الإنسان لروحه بناحية من التقزم .
السبب الثاني ضعف البناء العلمي ، فالعلم لا يؤخذ دفعة واحدة ، العلوم الأكاديمية يتدرّج فيها الإنسان ، عدم البناء الصحيح و السعي وراء الألقاب من المصائب التي تواجه البيئة العلمية سواءً كانت أكاديمية أو حوزوية ، لن تكون لبنائهم العلمي قيمة تُذكر ، السبب الثالث مصدر التعلم ، من المهم أن يسائل الإنسان نفسه ، من أين يأخذ العلم ؟ مصدر التعلم عنصر اساسي في استقامة العالم و انحرافه ، من سورة عبس " فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ (24) " أعطى الإمام الصادق ( ع ) تأويلًا للآية لا تفسيرًا ، ينظر الى علمه ممن يأخذه أي الغداء الروحي ، من أراد العلم الحقيقي و المنابع الصافية فعليه من ورثة النبي ( ص ) وهم أهل بيته ، لا أن يلهث نحو الشبهات و مصادر خاطئة و عناوين برّاقة و مصادر حديثة تُغير في الدين .
السبب الرابع غياب الأبوة الروحية و الرعاية العلمائية ، بعض العلماء الكبار يقومون بدور التوجيه والنصيحة و عادة ما يكونون من أهل العلم و التقى ، و يُلجأ اليه ، فيمثلون الأبوة الروحية ، فلو وجد خطأً من طالب لا يتردد في تقديم النصيحة و تصويب الخطأ ، ليكون صمام أمان عن الإنحراف ، السبب الخامس غياب الترويض الروحي ، قد يتنامى الإنسان في علمه لكنه ينحدر أخلاقيًا و هذا يشكل خطرًا على الأمة و العباد ، العلم لوحده من دون تقىً او خوفًا من الله عز وجل يمثل خطورة ، فهناك البعض من تلبّس بلباس العلم ، ولكن ما ان أقبلت عليه الدنيا و أقبل عليها مثل شريح القاضي ، عندما جيئ بمسلم بن عقيل ما انكر منكرًا ولا رد باطلًا .
التعليقات (0)