واصل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته ليلة الثامن من شهر رمضان المبارك لعام 1441 هـ ، و ذلك بحسينية الحاج أحمد بن خميس - على الفضاء الافتراضي - ، وتحت عنوان " أنواع المدد الإلهي " ، ابتدأ سماحته بآية من سورة النمل " أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوٓءَ " . القرآن الكريم تحدث عن المدد الإلهي ، التوحيد ينقسم الى أربعة ، التوحيد الذاتي و الصفاتي و العبادي و الأفعالي ، و مقتضى التوحيد الأفعالي أن تعتقد بأن لا مؤثر ولا فاعل الله الله ، و كل الأسباب الطبيعية فرض ارادته ، الأسباب الطبيعية في الكون أمرنا الله باللجوء اليها ، المدد الالهي فرع حاكمية الله ، فهو المتصرف في هذا الوجود ، و متصفًا بصفات مهمة أولها أنه الحي القيوم و أنه القادر و أنه الرحيم و أنه قادر على كل شيء .
لا شك أن العبد الذي يعاكس الله في صفاته ، الله هو القوي فالعبد هو الضعيف ، الله هو الحي فالعبد هو الميّت ، و الله هو العالم و العبد هو الجاهل ، أي ما نعبّر عنه بالفقر . الإنسان يحتاج الى المدد الالهي و اللطف السماوي في سائر أحواله ، لكن هناك ظروف خاصة يختص بها المولى بعض عباده ، فيخصهم بألطافه ، من هو المضطر؟ ، هو الذي انقطعت به السبل و استنفد الأسباب الطبيعية الخارجية ، صدق عليه اسم الإضطرار ، فهو عاجز أن يتحمل فوق طاعته فلا يجيبه الا الله ، و تكون هذه اللحظة هي لحظة اللطف ، أما الجلوس في البيت وعدم السعي ليس بالإضطرار " هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) " ، هناك حالات استثنائية تجعل الانسان محط عناية المدد الإلهي .
الحالة الأولى : الثقة بالله ، تشتد الظروف بالإنسان و تشتد به النوائب و تحيط به البلايا ، ولكنه يكون مؤهلًا اذا كان من أهل الثقة بالله ، كابراهيم عليه السلام ، الثقة وليدة المعرفة ، فمن عرف الله حق معرفته كان واثقًا بربه ، ساكن القلب ، مطمئنًا لا يخاف شيء ، الحالة الثانية الإنقطاع ، أن يصل الإنسان الى حالة اليأس من السبل و الظروف الخارجية و الأسباب المادية ، واذا دخل الإنسان في حالة اليأس من المخلوق ، ليس له سبيل الا أن يتعلق بمسبب الأسباب ، من دعاؤهم عليهم السلام " يا مسبب الأسباب بغير سبب " ، أي أنك تتعافى و السبب الدواء ، وأنك جائع و يذهب الجوع بسبب الطعام ، ولكن المدد الإلهي بقدرة الله يعافي المريض بدون دواء و احياء الموتى ، وهكذا ارادته ، متى ما وصل الإنسان الى الإضطرار تجسد الفقر بتمامه .
من سورة الأنبياء" وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) " أن لن نقدر عليه ، ليس بمعنى الله عاجز ، ولكن بمعنى علم و اعتقد أن الله لن يضيق عليه ، لا يمكن أن يترك الله الانسان من دون مدد الهي ، السبب الثالث : الإخلاص ، اعمال الإنسان تتأرجح بين الشرك الخفي و بين الإخلاص ، و تارة يكون الشرك ظاهرًا و تارة يكون خفيًا ، عن علي ( ع ) " الشرك كالنملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصلداء " ، على الإنسان أن يخلص لله ، و لا سيما ونحن في شهر رمضان ، أن نسأل الله تعالى بقلوب طاهرة و نيّات صادقة ، فاذا إجتمع الأمران ، طهارةُ السريرة و صدق النية استجيب الدعاء و نزل المدد ، أخلص لله ما استطعت و اجعل أعمالك خالصة ، السبب الرابع : المظلومية و هي أحد أسباب النصر الإلهي ، أي أن يكون الإنسان في موقع المظلومية و لا يملك حولًا و لا قوة الا بالعودة لله ، وهو مظلوم ويوجد ظالم له ، و أخطر الحالات التي تُستجاب فيها الدعوات هي حالة المظلومية . قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: "إِيَّاكَ وَ ظُلْمَ مَنْ لَا يَجِدُ عَلَيْكَ نَاصِراً إِلَّا اللَّهَ" ، دعوة المظلوم تخترق الحجب .
التعليقات (0)