واصل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته ليلة الرابع من شهر رمضان المبارك لعام 1441 هـ ، و ذلك بحسينية الحاج أحمد بن خميس - على الفضاء الافتراضي - ، وتحت عنوان " الإنسان بين حجب النورانية و الظلمانية " ، وابتدأ سماحته بمقطع من المناجاة الشعبانية " اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ " . كلمات نورانية تفوّه بها أمير المؤمنين ( ع ) ، عُبر عنها بالمناجاة الشعبانية ، و المناجاة الشعبانية مليئة بالأسرار و المعارف ، لكن يوجد في تلك المناجات فقرة تعتبر القلب بالنسبة الى المناجاة ، فان صح أن يقال بأن سورة " يس " هي قلب القرآن ، فان المقطع الذي قرأناه يعتبر قلبًا للمناجاة ، و كان الإمام الخميني يأدب على قراءته في سائر أوقاته ، لبيان أهمية هذا المقطع ، ومن تأمله سيجد فيه أسرارًا في غايية الأهمية ، و حديثنا الليلة حول الحجب الظلمانية و النورانية التي تعترض الإنسان في أثناء مسيرته نحو الله .
قبل أن نبين ذلك نحتاج أن نقف مع بعض المقدمات المهمة ، الأولى : مقدمة عقدية ، بان الوجود الإلهي هو وجود مجرد ، اما نحن البشر فوجودنا مادي ، ونحد بزمان و مكان ، الوجود المادي محدود ضعيف ، اما مقتضى الإيمان العقدي بأن الله وجوده مجرد ، الثانية : أن نعلم بأن سعة علم الله لا حد لها ، والله هو القائل في كتابه في سورة ق " وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) " العلم الالهي مطلق كما ان قرب الله من عباده ، كُني عنه بلاغيا بهذا التعبير . الثالثة الله لا يُدرك بالحواس ، ادراك المؤمن بحضور الله انما يكون بالبصائر لا بالأبصار ، الأخيرة : مسيرة الإنسان نحو الله قد تعترضها معوقات و عقبات ومن أخطر تلك المعوقات الحجب .
يقسم أهل السلوك الحجب الى حجب نورانية و حجب ظلمانية ، أولًا ما المراد بالحجاب ، الحجب هو الموانع ، فالثوب حاجب يمنع الناظر من النظر الى الجسم ، و هناك انواع عديدة للحجب ، الأول الحجاب المادي ، وهو حجاب تكويني لا مدخلية للإنسان فيه ، لما خلق الله تعالى الإنسان من مادة ( أديم الأرض ) خلق من صلصال ، وجودها تكويني وخارج عن ارادة الإنسان ، وجود البعد الجسماني في حد ذاته حجاب ، لأن المادي لا يمكن أن يدرك المجرد ، فيحتاج الى ان يصل الى حالة الإرهاف و أن يقلص ارتباطه بهذا الجسد ، - الموت الإختياري - .
الحجاب الثاني : حجاب العلية ، الوجود خاضع لقوانين كونية ، ومنها قانون العلية ، كل معلول لابد له من علة ، وكل موجود لابد له من مُوجد ، اذا كنت أنا الإنسان موجودًا فلابد لي من مُوجد ، اذا كان هو الله وفق قوانين العقل و الفلسفة ، فإن العلة تتقدم على المعلول ، وحينها لا يمكن أن يدرك المعلول بالعلة في كمالها ، العلة الأولى متقدمة ، بينما الإنسان علته متأخرة ، يستحيل على الإنسان المحدود المتأخر المخلوق أن يدرك حقيقة كنه الخالق مهما بلغ القرب من الله فإدركه محدود كونه معلول . الحجاب الثالث : حجاب الولاية ، الحاجب حلقة الوصل بين الملك و الرعية ، في نشأتنا الدنيوية ، الله جعل من أوليائه و خزان علمه وهم المطهرون من الأنبياء و الأوصياء حلقات الوصل بينه و بين عباده ، فكل من طرق باب التوحيد عن غير بابهم ، فقد ضلّ السبيل ، فلو وصل .. فمعرفة ناقصة و قاصرة ، فمشيئة الله أرادت ان لا تخلو الأرض من حجة ، من دون ولي الله لن يصل الإنسان الى المعرفة الحقيقية ، من الزيارة الجامعة " مَنْ عاداكُمْ فَقَدْ عادَ اللهَ، وَ مَنْ اَحَبَّكُمْ فَقَدْ اَحَبَّ اللهَ، وَمَنْ اَبْغَضَكُمْ فَقَدْ اَبْغَضَ اللهَ "
الحاجب الرابع هي الحجب الظلمانية تقابلها الحجب النورانية ، الحجب الظلمانبة عبارة عن الذنوب و المعاصي وكل ما بغّضه الله تعالى ، من نميمة و سرقة ومعاصي قد حرمها الله تعالى ، هي أقفال يجب أن يتجنبها الإنسان ، فلابد له من توبة يطهر قلبه منها ، اما الحجب النورانية ، الأصل فيها انها اما مباحات واما واجبات واما طاعات ، ولكن لما ينهمك الانسان فيها ويجعلها غاية الغايات تعتبر حجاب . العبادات وسيلة للوصول الى الكمال والمراتب العليا ، فلا ينبغي للانسان أن حبس نفسه فيها . الشيخ ابراهيم الصفا الستري / علامات المتقين
التعليقات (0)