واصل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته بحسينية الحاج أحمد بن خميس - عبر الفضاء الافتراضي - وذلك لليلة الثالثة من شهر رمضان لعام 1441 هـ ، وتحت عنوان " ااسرار الإبتلاء " ابتدأ سماحته بآية من سورة التحريم " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ " البلاء قانون من قوانين الله الجبرية ، ونعني بالجبرية أي لا خيار للإنسان فيه ، ووقوعه على الإنسان حتمي ، ولهذا لا يخلوا انسان في هذا الوجود من قانون الإبتلاء و الإختبار ، وقد شاءت ارادة الله أن يغربل عباده ليعرف الصابرين من غيرهم ، فبه تعرف معادن الرجال و النساء .
البأساء و الضراء نماذج من نماذج البلاء ، البأساء يفسرها المفسرون أي الضيق في المعيشة ، اما الضراء هي الأسقام و الأمراض ، وحديثنا حول فلسفة الإبتلاء ، فلماذا يريد الله أن يبتلي عباده وما هي فلسفته ، البلاء على ثلاثة أنواع ، البلاء الرافع و البلاء الدافع و البلاء الواضع ، ارادة الله تتجلى في بلاءه ، البلاء الرافع للمؤمنين و أهل التقوى ، فيرفع الله من مقاماتهم و درجتاهم عنده عن طريق البلاء ، ولذلك ابتلى الله نبيه أيوب و محصه و غربله و اختبر صبره بالبلاء ، فهل أن ذلك عقوبة له ؟ أبدًا ، لأن الله يحبه و يحب أنبياءه ، قد يكون البلاء بلاءً واحدًا لكنه ذو غايات متعددة ، عندما تحدثت الروايات عن الطاعون وهو مصطلح عن الوباء كما نعيش اليوم ، فالطاعون على العاصي أدب و على المطيع رحمة . و على المؤمنين الأخيار أن يستبشروا مهما كان البلاء ومهما تعدد البلاء ، المؤمن في قمة رضاه ، اذا عمّ البلاء كان للمؤمنين رحمة و للعصاة عذاب و أخذ .
اذا رجعنا للنصوص ، نجد أن البلاء على المؤمن له خصوصية ، عن النبي (ص ) " إذا أحَبَّ اللهُ عَبداً اِبتَلاهُ ، فَإِن صَبَرَ اجتَباهُ ، فَإِن رَضِيَ اصطَفاهُ " ، لأن البلاء هو سلم رفعة العبد الى الله ، ويريد الله أن تضج حناجرهم بالدعاء و التضرّع ، وبعض النصوص أكثر تفصيل لذلك " إنَّ اللهَ إذا أحَبَّ عَبداً أتحَفَهُ بِواحِدَةٍ مِن ثَلاثٍ : إمّا حُمّىً أو رَمَدٍ أو صُداعٍ " أتحفه أي أهداه ، فيجب أن يستبشر من امتحنه الله لا ان يكون قنوطًا ، البلاء انما رسالة رحمة و حب . النوع الثاني هو البلاء الدافع ، لمن انحرفوا عن جادة الاستقامة و تركوا الصراط المستقيم ، فأراد الله ان يعيدهم للاستقامة ، فهذا بجلدة من البلاء و هذا بجلدتين ، فيعيد الشارد الى الله و الى الإستقامة ليستشعر الفقير فقره فيعود الى الغني ، وليستشعر العبد الجاهل جهله فيعود الى العالم ، فالآية الكريمة " لعلهم يتضرعون " أي يضجون و يرجعون لله " . فتكون سببا ليقظة قلوبهم .
النوع الثالث البلاء الواضع ، هم عصاة تجبروا و تحدوا الله تعالى ، فيركسهم الله بعذابه فالنمرود و فرعون ، أنزل الله عليهم البلاء و سلط عليهم البلاء ، فأغرق فرعون بماء أحيى به موسى ، و أخذ نمرود بحشرة في دماغه ، واحدة من البلاءات في نهاية الزمان الخسف بالبيداء وهي صحراء قاحلة ، يخسف الله بهم الأرض ، هذا النوع من الخسف هو بلاء ، وما نزل على قوم نوح فأغرقهم عن آخرهم ، هو بلاء لبيان غضب الله عليهم و بلاء واضع . يجب أن نعرف حقيقية في غاية الأهمية ، أن البلاء يتفاوت فيه الناس حسب ايمانهم ، رواية النبي ( ص ) تكشف لنا هذه الحقيقة ، سُئل رسول الله صلى الله عليه وآله من أشد الناس بلاء في الدنيا فقال : " النبيون ثم الامثل فالامثل ، ويبتلي المؤمن بعد على قدر إيمانه وحسن أعماله فمن صح إيمانه وحسن عمله اشتد بلاؤه ومن سخف إيمانه " .
التعليقات (0)