واصل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية - على الفضاء الافتراضي - بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، وذلك لليلة الثانية من شهر رمضان المبارك لعام 1441 هـ وتحت عنوان " علامات المتقين " ، استهل سماحته بالآية المباركة من سورة البقرة " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) " ، القرآن الكريم يحدثنا حول نقطتين مهمتين ، الأولى حول تشريع الصيام على سائر المكلفين ، أمّا الثانية حول مقام بيان أثر الصوم ، والذي يوصل المكلف الى حالة التقوى ، يجب أن يجعل الإنسان همّه وعنايته نحو بلوغ الهدف الذي يريده الله من الصوم .


التقوى من أعظم مراتب القرب من الله وهي فوق الإسلام و الإيمان ، فهنيئًا للمتقين ، فهل وصلنا الى مقام التقوى " لعلكم تتقون " شرع الله الكثير من الاحكام بغية أن يصل المؤمن الى مقام التقوى ، عندما نتحدث حول التقوى و المتقين ، فلابد أن نعلم أننا نتحدث عن مقام له أثره في الآخرة و الدنيا ، في الآخرة ، من سورة القمر " إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ " أهل التقوى لهم مقعد خاص مع الله ، لكن الاهم من ذلك هي الآثار المترتبة في الدنيا ، من أراد أن يصل الى الى ذلك لابد أن يكون من أهل التقوى ، وعليه أن يُخلص في صيامه .


تحدثت النصوص حول المتقين و أشارت لصفاتهم وخصائصهم ، الخاصة الأولى وهي من أهمها ، الشعور بالحضور الالهي و الرقابة المولوية ، الإنسان التقي يستشعر دائما أنه بعين الله وفي محضر الله ، جاء رجل إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك حين عبدته؟ قال: فقال:ويلك ما كنت أعبد ربا لم أره ، قال: وكيف رأيته؟ قال: ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الابصار ولكن رأته القلوب بحقائق الايمانرأته القلوب بحقائق الإيمان " . كلما توقد الإيمان في قلب المؤمن كانت بصيرته مدركة بحضور الله ، وجود الله مجرد ولا يحدد بمكان و زمان ، قعدنا او نزلنا فكلنا تحت رقابة الله عز وجل ، المؤمن يجب أن يتأمل قوله في سورة البقرة " وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " ارمِ بطرفك في كل مكان ، الحضور الالهي قائم ، المشكلة في بصائرنا ، الحسين " إلهي ، عميت عين لا تراك عليها رقيبا " من كان عاجزا عن ادراك رقابة الله عليه فهو مبتلى بعمى البصيرة . المتقين مع الله في القوة و الضعف و في سائر أحوالهم ، فينعكس ذلك على سلوكهم .


الحالة الثانية هي الثبات على الدين ، الله عز وجل يقول في سورة فصلت " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) " الإيمان المجرد الذي تكون حدوده في مقام القلب و الذهن لا قيمة له " وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ " آمنوا داخلًا و عملوا الصالحات خارجًا. لابد أن يعزز بالسلوك و الفعل ، عنوان الثبات واسع ، تارة الثبات على عبادة الله و طاعته ، و تارة الثبات أمام معصية الله ، فلا تنزلق لهم قدمًا ، و أحيانا الثبات في النوائب و المصائب و البلاء ، الثبات يعطي للإنسان قوة ولهذا يوجد في داخل الإنسان حرب ، وهذه الحرب بين القوى العاقلة و الغضبية والقوة الشهوية ، فيُمكّن المتقي العقل على الشهوة و الغضب .


التاريخ خلد آسيا بنت مزاحم وهي زوجة فرعون لأنها من أهل الثبات " وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ " ، فصلبت و ضربت المسامير في أكفها وجلدت وما تزلزل قلبها ، بل كانت تقول " إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " فهذه نموذج في الثبات ، وهناك نموذجًا آخر وهو خَبَّاب بن الأَرَتّ . الصفة الثالثة هي صفة الشوق الى الله ، لا يكادون يمسكون نفوسهم نحو الجمال المطلق ، وتجلت رحمة الله في قلوبهم فصاروا ينجذبون و ينساقون اليه ، يعيشون في الدنيا أجسادًا ولكن قلوبهم تحلق ، يشتاقون لله شوقًا لا حد له ، ويستأنسون بالموت ، وروي أنّه تعالى يقول :«عبدي بحقّك عليّ إنّي أُحبّك ، فبحقّي عليك أحبّني» فلنتأمل ذلك الحديث جيدًا .