ابتدأ سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك لليلة الحادي من شهر رمضان المبارك وذلك في بث مباشر على الفضاء الإلكتروني - بشكل استثنائي نظرًا لظروف انتشار وباء كورونا - ، وتحت عنوان " شهر رمضان و الانس بالله " ، استهل سماحته بالآية القرآنية من سورة طه " وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ (18) " عندما نقف مع اطلالة الشهر الكريم و نحلق مع قوله تعالى ، ينبغي أن يعلم الأحبة بأن من أعظم الحالات التي يصل اليها السالكون لله عز وجل و المتعبدون - لا سيما في شهر الله - هي حالة الأنس ، وشهر رمضان محطة خصبة تُعين الإنسان أن يحلّق في فضاءات الأنس مع الله ، و عندما ينساق الحديث حول الأنس بالله في شهر الله ، لاسيما أننا نتحدث عن صور المؤانسة بين نبي الله موسى و المولى عز وجل ، ما هو الأنس وما هي المؤانسة التي ينبغي أن نفتش في قلوبنا عنها ؟
نحن في شهر الطاعة و العروج لله ، موسى نبي من الأنبياء ، و لا يخفى عليه أن الله بكل شيء عليم ، لا شك أن سؤال الله لموسى انما هي لحظة انفتح فيها الأنس مع الله ، والآية الكريمة تبين لنا تفصيل طويل ذكره موسى عن العصا . ينبغي أن نعلم بأن المؤانسة حالة من أحوال النفس وهي ضد الوحشة ، الانسان اما في انس أو وحشة ، اذا كان مع ربه كان في أنس ، لحظات الانس توجد في النفس سكينة و اطمئنان و محبة وانجذاب وهي حالة ضد الوحشة التي يعيشها الإنسان ، فاذا بلغ ذلك ذبّ في وجوده وكيانه شعور بالسرور و النشوة المعنوية و السكينة التي لا تمكن أن تقاس .
للأنس علامات تميز أهل الأنس من غيرهم ، العلامة الأولى : الوحشة من الناس ، عن علي " الأرواح جنودٌ مجنَّدة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف " أهل المؤانسة أنسهم فقط مع الله و أولياءه ، اما مجالس الغيبة و النميمة لا يستشعرون فيه الا الوحشة ، العلامة الثانية : حب الخلوة مع الله فهم يستمتعون بالخلوة و يتذوقون حلاوتها . في الحديث القدسي " كَذَبَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُحِبُّنِي فَإِذَا جَنَّهُ اللَّيْلُ نَامَ عَنِّي ، أَ لَيْسَ كُلُّ مُحِبٍّ يُحِبُّ خَلْوَةَ حَبِيبِهِ " حديث قدسي فيه ما فيه من المشاعر التي تحرك مكنون النفس و الشوق الى الله عز وجل ، فكيف نزعم محبته ونحن نعرض عنه ونعصيه .
العلامة الثالثة التلذذ بالطاعات و الأذكار و العبادات ، الله عز وجل هو الخالق و نحن المخلوقين ، و هو المعبود و نحن العباد ، و قد فرض علينا عبادة محددة لن و لا يجوز لنا ان نبتكرها ، لأن حق تشريعها لله عز وجل ونبيه ، ففرض علينا الصلاة و الصيام و الخمس ، " اللهم اذقني حلاوة ذكرك " هل تذوقنا حلاوة الصلاة ، أهل الأنس لهم ذائقة معنوية يتلذذون بعبادة الله ، قال الله في سورة الذاريات " كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ " فلماذا يقل نومهم و يفارقون فراشهم و يتركون لذة المنام وينقطعون لله . انه شعور اللذة بالعبادة .
عندما نتحدث عنهم فلهم مراتب ، المرتبة الأولى الأنس الذكري ، وهو الذي يصل اليه السالك وهو أول المراتب ان يكون مستأنسا بذكر الله سواء الذكر الذهني التي تقابله حالة الغفلة ، او الذكر اللساني من تسبيح و قراءة القرآن أو غير ذلك مما ورد في الشريعة . عن موسى " يا رب، أقريب أنت فأناجيك أم بعيد فأناديك؟ فإني أحس صوتك ولا أراك، فأين أنت؟ فقال الله: أنا خلفك وأمامك وعن يمينك وعن شمالك. يا موسى، أنا جليس عبدي حين يذكرني، وأنا معه إذا دعاني " . المرتبة الثانية انس المشاهدة ، فمن استنارت بصيرته ، لاشك ولا ريب أن الحضور الالهي يدركه ببصيرة قلبه ، من دعاء الحسين عليه السلام يوم عرفة " عَمِيَتْ عَيْنٌ لا تَراكَ عَلَيْها رَقيباً، وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْد لَمْ تَجْعَلْ لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصيباً " العين التي لا تستخضر حضور الله عمياء ، عن الإمام علي " ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله، وبعده ومعه " فهو يريد أن يبين بنا بأن الحضور الالهي في كل مكان .
التعليقات (0)