أنهى سماحة الشيخ محمود طاهري سلسلة مجالسه بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، وذلك في الليلة الحادية عشر من شهر المحرم الحرام لعام 1441 هـ ، وتحت عنوان " تأمل في قول الإمام ( ع ) : وَاَنْ يُثَبِّتَ لي عِنْدَكُمْ قَدَمَ صِدْق فِي الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ " - أنواع الإثبات في ميزان الدين و مصاديقه ، ابتدأ سماحته بمقطع من زيارة عاشوراء " وَاَنْ يُثَبِّتَ لي عِنْدَكُمْ قَدَمَ صِدْق فِي الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ " هذا المقطع الوارد في زيارة عاشوراء من المقاطع المهمة و الذي يبين بُعد الثبات ، بمعنى استقرار الإنسان على المبدأ ، و هنا الاستقرار و الثبات له أكثر من منحى ، تارة يكون منحى الثبات هو المنحى الفقهي ، و تارة يُلحظ الثبات بقيمته المعرفية و الروحية .
علماء الأخلاق يقولون بأن هناك فرق بين ادراك العقل و ادراك القلب ، الثبات له عنصران ، عنصر عقلي علمي وعنصر قلبي ، لا يمكن للانسان أن يصل الى مرحلة الثبات من دون العنصر القلبي ، و الا فإن أصحاب الحسين وصلوا الى مرحلة الثبات القلبي ، و أهل الكوفة وصلوا الى مرحلة الثبات الفقهي ، ولم يتحقق لديهم الثبات المعرفي . التاريخ به جملة ممن تخلفوا عن ركب الحسين ( ع ) ، و بعضهم كان معذورًا - و ان لم يكن مأثومًا - فإنه قد خسر ولم يصل الى حالة الثبات . هناك شخصية معروفة يقال لها الضحاك بن عبدالله المشرقي ، التحق بركب الحسين في وسط الطريق ، لكنه اشترط على الحسين أنه سينصره ولكن متى ما رأى من نفسه بعدم القدرة على أن يذب عنه فسينحسب ووافق الإمام ، يقال بأن الضحاك ترك الإمام الحسين بعد أن رأى الجيوش كيفما هجمت على الإمام لأن الإمام أذن له ، لكن لا توجد لديه حالة الثبات ، و الضحاك من الرواة الذين نقلوا الينا الكثير من الروايات عن واقعة كربلاء ، على أقل التقادير بأنه دخل مع الحسين في المعركة .
هناك شخصية أخرى كانت تعلم بأن الحسين هو الحق و هو السعادة ، تقول الروايات " و سار من عذيب الهجانات حتي نزل قصر بني مقاتل ، فرأي فسطاطا مضروبا و رمحا مركوزا و فرسا واقفا فسأل عنه فقيل هو لعبيدالله بن الحر الجعفي ، فبعث اليه الحجاج بن مسروق الجعفي فسأله ابن الحر عما وراءه قال: هدية اليك و كرامة قبلتها هذا الحسين يدعوك الي نصرته فان قاتلت بين يديه اجرت و ان قتلت اشتشهدت فقال ابن الحر: و الله ما خرجت من الكوفة الا لكثرة ما رأيته خارجا لمحاربته و خذلان شيعته فعلمت أنه مقتول و لا اقدر علي نصره و لست احب ان يراني و أراه ، فأعاد الحجاج كلامه علي الحسين فقام صلوات الله عليه و مشي اليه في جماعة من أهل بيته و صحبه فدخل عليه الفسطاط فوسع له عن صدر المجلس يقول ابن الحر: ما رأيت أحدا قط احسن من الحسين و لا املأ للعين منه و لا رققت علي أحد قط رقتي عليه حين رأيته يمشي و الصبيان حوله و نظرت الي لحيته فرأيتها كأنها جناح غراب فقلت له أسواد ام خضاب؟ قال: يا ابن الحر عجل علي الشيب فعرفت أنه خضاب .
و لما استقر المجلس بأبي عبدالله حمد الله و أثني عليه قال: يا ابن الحر ان أهل مصركم كتبوا الي انهم مجتمعون علي نصرتي و سألوني القدوم عليهم و ليس الأمر علي ما زعموا و ان عليك ذنوبا كثيرة، فهل لك من توبة تمحو بها ذنوبك؟ قال: و ما هي يا ابن رسول الله؟ فقال: تنصر ابن بنت نبيك و تقاتل معه . فقال ابن الحر: و الله اني لأعلم ان من شايعتك كان السعيد في الآخرة ولكن ما عسى أن اغني عنك و لم اخلف لك بالكوفة ناصرا فانشدك الله ان تحملني علي هذه الخطة فان نفسي لا تسمح بالموت! ولكن فرسي هذه «الملحقة» و الله ما طلبت عليها شيئا قط الا لحقته و لا طلبني أحد و أنا عليها الا سبقته فخذها فهي لك. قال الحسين: أما اذا رغبت بنفسك عنا فلا حاجة لنا في فرسك و لا فيك و ما كنت متخذ المضلين عضد و اني أنصحك كما نصحتني ان استطعت أن لا تسمع صراخنا و لا تشهد وقعتنا فافعل فوالله لا يسمع و اعيتنا أحد و لا ينصرنا ".
هناك شخصيات لم تذهب مع الحسين مثل عبدالله بن العباس ، يقال أنه كان كفيفًا وابن قتيبة في كتابه المعارف يقول بأن أبوه وجده كلهم لا يرون ، أيضًا محمد بن الحنفية ، هناك عدة روايات في تركه الإمام الحسين في المدينة ، السبب الأول لأنه كان مصابًا في أحدى غزوات أمير المؤمنين ( ع ) و لعلها في صفين و ليس له القدرة في حمل السلاح ، و السبب الآخر أن الإمام تركه في المدينة لكي يبقى مع بني هاشم ، هناك أشخاص كانوا مع الإمام الحسين و قاتلوا مع الإمام لكنهم لم ينالوا مقام الشهادة مثل الحسن المثنى ، وهو ابن الإمام الحسن المجتبى وصهر الإمام الحسين ، وقاتل مع الإمام الحسين ، و لما أرادوا بأن يحزوا الرؤوس رأوه حيًا ، وبسبب خاله المعروف أسماء بن خالدة تركوه ، بعد خمسة أعوام دُس اليه السم ، هذه الأمور تحتاج الى توفيقًا يأتي من العقيدة القلبية .
يستحب للإنسان بعد كل صلاة أن يقول " رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وآله نبيا، وبالقرآن الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وآله كتابا، وبالكعبة قبلة وبالصلاة فريضة، وبعلي إماما، " و من شأنها أن تثبت الإنسان لى الحق ، والا فإن الإنحراف في اللحظات الأخيرة أمرٌ مخيف ، و العلماء يوصون بقراءة دعاء العديلة - الذي لا سند له - ولكن مضامينه عالية " اَللّـهُمَّ اِنِّى اَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَديلَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ " الشيطان يأتي الى الإنسان في تلك اللحظات ، من خصوصيات التلقين أن يقول الملقن " ثبتك الله بالقول الثابت هداك الله إلى صراط مستقيم عرف الله بينك وبين أوليائك في مستقر من رحمته، اللهم جاف الأرض عن جنبيه واصعد بروحه إليك ولقه منك برهاناً، اللهم عفوك عفوك " ويستحب التلقين في ثلاثة موارد ، المورد الأول : عندما يحتضر الإنسان ، المورد الثاني : بعد أن يدفن في القبر وقبل أن يهال عليه التراب ، والمورد الثالث : بعد أن تفترق الناس .
التعليقات (0)