شارك هذا الموضوع

الشيخ محمود طاهري ليلة الثامن من المحرم لعام 1441 هـ

واصل سماحة الشيخ محمود طاهري سلسلة مجالسه الحسينية بحسينية الحاج أحمد بن خميس و ذلك لليلة الثامنة من شهر محرم الحرام 1441 هـ - 2019 م ، وتحت عنوان " الشعارات الدينية بين حقيقة التأصيل و زيف التحريف " - قراءة تحليلية في بعض شعارات الإمام الحسين ( ع ) ، و ابتدأ سماحته بالآية 132 من سورة البقرة : " وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " ، حديثنا عن الشعارات الدينية التي تُستنبط من القرآن الكريم ون السلوكيات العملية للأئمة ( ع ) و من مصدر ثالث يُعبر عنه بروح الشريعة ، لابد أن نقف جيدًا و نعرف ما هو المراد من الشعار الديني ، و ثانيًا ما هي مناشئه ؟ أي المصادر التي نعتمد عليها لأخذ الشعار؟ ثالثًا : هل هناك فرق بين تنظير الشعار و بين تطبيقه ؟ ثم نقف عند جملة من المصادق الذي يعبر عنها بمصاديق دينية .

من سورة الأنعام " قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) " ، الآية تبين الأركان الأربعة التشريعية ، كل ما يحتاجه الإنسان ذكرتها الآية في أربعة صور ، الآية فصلت الصلاة عن النسك - مع أنها من النسك - لأهميتها ، ، وذكرنا سابقًا بأن النسك و الشعائر هي الكلمة المعتادة في الأدبيات الدينية ولا نُعبر عنها بالطقوس ، فهذا اشتباه منهجي ، الواقع الإجتماعي و الإقتصادي كلها تحتاج الى الضوابط الدينية ، ثم الممات وهي آخر محطة يرجع اليها الإنسان ، الشعار الديني له استعمالان ، الأول يراد بالشعار (العلامة) ، من سورة البقرة " إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ " ، أي علائم تكوينية مادية لابد ان يمتثلها الإنسان في العالم الخارجي

التشريع الديني في كثير من موارده يعتمد على الشعائر الظاهرية و ليس فقط الإيمان و الإعتقاد القلبي و الإذعان وترتيب الأثر الباطني ، هناك شعائر لابد أن يجسّدها الإنسان ، وكل شعائر الإمام الحسين ( ع ) ظاهرية ، يحتاج الإنسان الى بُعد قلبي و معرفي لكن بعد ذلك لابد من اظهار هذه الشرائع ، كالبكاء و اللطم و ما شابه ذلك من مصاديق الشريعة الظاهرية ، البعض يعتقد بوجوب بعض الشعائر الحسينية وان كنا نقول باستحبابيتها ، هذه الشعائر يدّعي البعض لا قيمة لها ، بل بوجود الإنسان الباطني يثبت حبه للحسين وهذه مغالطة واضحة و صريحة لأن القرآن يعتمد على الإظهار و الإعلام . الإستعمال الثاني الذي هو مورد حديثنا النهج ، و المنهج ، الشعار الديني أي النهج الديني ، ما هي الشعارات التي يتبناها الإسلام ؟ أي ما يكشف عن منهجية الدين ، المحور الأول مناشئ الشعار الديني ، و هذه مسألة جوهرية . المنشأ الأول هو القرآن الكريم أو الروايات و نُعبّر عن ذلك بالشعار التدويني أي المكتوب و المنصوص ، من مصاديق ذلك ، من سورة يوسف " مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40) " هذا شعار ديني و قرآني وتدويني و منصوص عليه ، الحاكمية أولا لله سبحانه تعالى .

المثال الثاني حينما نقف على الأية من سورة النحل " مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) " هذه الآية وقع البحث بينهم ، النظرية القرآنية تقول بأن العمل الصالح لا يكون صالحًا الا اذا احتوى على عنصر الإيمان بالله وهذه نظرية القرآن ، النظرية الرأسمالية تدّعي أن العمل الصالح يُلحظ بلحاظ المنفعة و المصلحة و لا يُلحظ بلحاظ الدوافع التي تحرّك الإنسان وهذا كلام خاطئ وشعار خاطئ ، القرآن في موارد أخرى ينزل عمل من لا يكون فيه عامل الإيمان من قبيل السراب ، من سورة النور " وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) " والحال أنه أتى بعمل وبجهد في مقام الظاهر و القرآن لا يعتبره ، من سورة الرعد " لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ ۖ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ ۚ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (14) " نظرية العمل الصالح من مصاديق الشعارات الدينية المهمة ، و القرآن يُظهره بصورة صريحة ، العمل الصالح يُلحظ بلحاظ المدافع لا بلحاظ المنافع ، الشعار التدويني لابد أن يكون شعارًا منصوصًا .

المنشأ الثاني الشعار الديني الذي نستنبطه من السلوك ، صاحب منهاج البراعة : " وعج عجيجا لم يسمع بأشد منه، فما هو إلا أن صرع الجمل حتى فرت الرجال كما يطير الجراد في الريح الشديدة الهبوب، واحتملت عائشة بهودجها، فحملت إلى دار عبد الله بن خلف، وأمر علي عليه السلام بالجمل أن يحرق ثم يذرى في الريح. وقال عليه السلام: لعنه الله من دابة! فما أشبهه بعجل بني إسرائيل، ثم قرأ: (وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا) " ، فالإمام لما يستخدم " الهك " وهي مفردة دينية وليست سياسية لها ربط بالإعتقاد و الباطن ، ولو لم يرتكب هذا السلوك ، لقُدّس ذلك الجمل و اُعطي مقام الهيبة والقداسة ، فأراد الإمام أن يقطع مادة الفساد ، قد لا يكون لبعض الأشياء قيمة ، لكن الجاهل يُصيّر من اللا شيء شيءًا ، وهذا من مصاديق الشعار السلوكي ، و أن الإمام واجه الإنحراف بقطع مادة الفساد ، تقتنص شعارًا من سلوك الإمام ، وظيفة الإمام هي وظيفة النبي وهو ملاحقة عقائد الناس ، ووظيفة العالم أن يبيّن الدين الصحيح و التشريع الصحيح ، سواء كان مرتبطًا بفقه الجوارح أم بغير ذلك . لابد ان يكون التبليغ الديني محكمًا حيث أنّ جميع الأنظار موجهة نحو المنبر ، وهناك تُرصد لمعرفة حقيقة هذا المنبر .

المنشأ الثالث هو الشعار الذي يُقتنص من خلال التتبع لأدبيات القرآن و أدبيات الروايات ، كمثال حينما يأتي الفقهاء على شرائط مرجع التقليد ، من ضمنهم الرجولة ، لو جئنا الى الروايات ، لا نجد دليلًا واضحًا على قصدية الذكورة ، ولكن حينما نأتي الى أدبيات الدين و التشريع نجد أن الاسلام و الدين يعتني بعفة المرأة و جانبها الأخلاقي أن تكون مصونة ، و تصديها للتقليد يُنافي ذلك ، نحن نعرف هذه المفردة لا من خلال النص كما في المنشأ الأول و لا من خلال السلوك كما في المنشأ الثاني ، بل نعرف ذلك من مجموع الأدبيات الدينية فنصل الى هذه النتيجة ، ذوق الدين هكذا في تعامله مع المرأة ، مثال آخر يقول بأن كل الفقهاء لا اشكال عندهم في ذبح الحيوان ان لم يكن مملوكًا ، لو تأمّلنا في رحمة القرآن و رحمة الإنسان نرى هناك شيء من الحزازة في هذا التشريع فيحتاط المرجع في ذلك ، فلا يوجد دليل لعدم الجواز ، حيث لا يُفتي الفقيه بدون دليل و حجة شرعية أمام الله .

المحور الثاني ، هناك شعارات قطعية مثل التوحيد ، لكن هناك شعارات دينية وقع فيها الخلاف ، من ذلك القبيل : مَعِيّة القرآن للعترة الطاهرة و هذه مسألة خلافية ، مدرسة أهل البيت يعتقدون بأن القرآن لا يُقرأ و لا يُعرف بعيدًا عن أهل البيت و مدرسة أخرى ترى معرفة القرآن من دون معرفة أهل البيت ، و نرد على ذلك : مثال من سورة الأعراف " وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" ، القرآن - بالإبتعاد عن الروايات - المراد به القرآن المعروف ، ولكن الحال في الرواية هو قرآن امام الجماعة في الركعتين الأولتين ، وانما نقول بأن التحدث في مجالس القرآن هو خلاف الأدب ، مثال آخر : " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن قوما يروون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: اختلاف أمتي رحمة؟ فقال: صدقوا. فقلت: إن كان اختلافهم رحمة فاجتماعهم عذاب؟ قال: ليس حيث تذهب وذهبوا، إنما أراد قول الله عز وجل: * (فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة، ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) *، فأمرهم أن ينفروا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فيتعلموا ثم يرجعوا إلى قومهم فيعلموهم. إنما أراد اختلافهم من البلدان، لا اختلافا في دين الله. إنما الدين واحد، إنما الدين واحد "

من مصاديق الشعارات الإختلافية ، المصداق الأول مصداق بين مدرستين أهل البيت و أهل السنة ، أحيانًا نجد اختلافات في المدرسة الواحدة في بعض الشعارات ، مسألة التقية مسألة خلافية في مقام التطبيق لا في مقام التنظير ، فهي مبدأ عقلائي ديني ، لكن المدرسة (أ) في زماننا هذا ترى بـ ( لا تقية ) ، لأن مذهب أهل البيت حقق الكثير و صار له ظهور و انجاز ، المدرسة (ب) ترى أنه بامكاننا أن نُطبق التقية حتى في زماننا ، و رسموا ضوابط و آليات لمسألة التشخيص بين أحكام التقية التشريعية وبين الأحكام الواقعية ، وهذه مفردة واحدة و رواياتها واحدة و الخلاف في المدرسة الواحدة ، قد يقع الشعار الديني في الخلاف ، لكن لنلتفت بأن الشارع المقدس لمّا يعطينا الضابطة الدينية لا يدعونا للتنازع مع الآخرين ، من سورة آل عمران " قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) " .

من سورة الأنعام " قوله تعالى: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108)) " ، يقول الطباطبائي في كتابه الميزان : " والآية تذكر أدبا دينيا تصان به كرامة مقدسات المجتمع الديني وتتوقى ساحتها أن يتلوث بدرن الاهانة والازراء بشنيع القول والسب والشتم والسخرية ونحوها فإن الانسان مغروز على الدفاع عن كرامة ما يقدسه، والمقابلة في التعدي على من يحسبه متعديا إلى نفسه، وربما حمله الغضب على الهجر والسب لما له عنده أعلى منزلة العزة والكرامة فلو سب المؤمنون آلهة المشركين حملتهم عصبية الجاهلية أن يعارضوا المؤمنين بسب ما له عندهم كرامة الألوهية وهو الله عز اسمه ففي سب آلهتهم نوع تسبيب إلى ذكره تعالى بما لا يليق بساحة قدسه وكبريائه. "

المحور الثالث : مسألة الشعار الديني هل يحتاج الى تنظير فقط ؟ الشعار له مرحلتان ، مرحلة التنظير و الإخراج و مرحلة التطبيق ، هناك تأثير للعالِم حينما يُطبّق في تغيير ما في الذهن من اعتقاد وهو سلوك تربوي و تعليمي ، الشعار الديني يحتاج الى تنظير و الى تطبيق كي تطمئن الناس أن هذا من الدين ، المحور الرابع ، هناك شعارات دينية جميلة وتحمل رونقًا لكنها تُخالف روح الدين ، مثالًا حينما يقولون : كل شعار يعطي صفة دينية و لكنه شعار فيه صفة من العنف و الكراهية فليس من الدين " لأن الدين دين التسامح و الرحمة و التسامح ، فكلمة " يا لثارات الحسين " لم تصدر من الروايات ، فنرد عليه : انه كشعار شعارٌ جميل ولكن في مرحلة التطبيق يعتقد صاحب الشعار بان الدين كله دين جمال ، من سورة الفتح الآية 29 " مَّحمدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ " الشدة تختلف مع مسألة الرحمة الإلهية ، هناك آية بعنوان البراءة ، فكيف تجتمع البراءة مع المشركين مع المفردة الالهية ؟ ، الله يقول بأن هذا المشرك و الكافر اجتاز مرحلة الإنسانية بمعنى انه لم يعد انسانًا ، ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتل الحسين ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره فلم يؤذن لهم فهم عند قبره شعث غبر إلى أن يقوم القائم عليه السلام فيكونون من أنصاره وشعارهم يا لثارات الحسين عليه السلام . لا يوجد تعمّد في الإسراف في شعاراتنا لكي تقع أصابع الإتهام ، فهناك في الدين شعارات عاطفية و روحية أيضًا .



التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع